إنتقلت الطريقة الرفاعية إلى سورية عن طريق الشيخ "أبو الهدى الصيادي" المولود في منطقة معرّة النعمان القريبة من مدينة حلب والذي قرأ القرآن وهو ابن سبع سنين , لهذه الطريقة مدرستين في سورية وتؤدى طقوسها ضمن محافل تسمى "حلقات ذكر" التي تهدف إلى تعزيز إيمان المريدين يدعى أتباع هذه الطريقة وغيرها من الطرق الصوفية بالمريدين،. انتشرت الطريقة الرفاعية في مدينة حلب، و يتمركز مريدوها في (الزاوية الإخلاصية) الواقعة في حي البياضة من المدينة.
تُنسب هذه الزاوية إلى الشيخ إخلاص الخلوتي نزيلُ حلب الذي توفي سنة (1074هـ-1664م)، وكان له خلوة كل عام في فصل الشتاء يجتمعُ فيها المريدون فيصومون ويصلون، إضافةً إلى الأذكار التي تُقام بشكلٍ دوري في أيامٍ معينة من الأسبوع.
تعاقب العلماء والشيوخ على الزاوية الإخلاصية الرفاعية ثم آلت إلى الشيخ أبي الوفا الرفاعي الذي بدأ بتنظيم الخلوة الرفاعية في فصل الربيع إضافة إلى الذكر الأسبوعي وكان يُطعِمُ فيها الفقراء في مواسم دينية عديدةٍ من السنة. ثم توارثها من بعده أبناؤه وأحفاده وحافظوا على تقليد الخلوة ومن اولاد الشيخ وفا الشيخ محمد فاخر وابنه عبد الملك ( والدي رحمه الله ).
تنتقل مشيخة الطريقة الرفاعية من الأب إلى الإبن، أو عن طريق الخلافة الخلوتية حيث يدخل أحد المريدين الخلوة ويخدم جميع الأسماء ويذكرها ويعرف إشاراتها. وهذه الأسماء سبعة حسب مراتب النفس وهي معروفة عند مشايخ الطرق.
يوجد مدرستان رفاعيتان في سورية شيدهما زكي الدين أبي القاسم، إحداهما في حلب و الأخرى في دمشق، وقد تضررت المدرسة الرفاعية في حلب و سقط سقفها أثناء غزو تيمورلنك لحلب، ثم أعيد ترميمها وبناء السقف وأعيد التدريس فيها. تتضمن طقوس الطريقة الرفاعية "الذِكْر" وهو قراءة القرآن والإنشاد الديني والمدائح
يتم القيام بطقوس ذكر الرفاعية في أماكن تُعرف بإسم المدارس تُنظم فيها محافل الذِكْر التي تقتصر على الذكور، ويدعى هؤلاء باسم "المريدين". تؤدي حلقات الذكر الرفاعية وظائف عديدة أهمها تعزيز إيمان المريدين بالله عن طريق التواصل مع الروحي والإنفصال عن المادي. الذكر تكون بدايته ترتيل القرآن ثم يُهدى ثوابها إلى النبي محمد (ص) و لآله وصحبه والأولياء الصالحين وإلى أموات شيوخ التكية المقام فيها الذكر وإلى أموات الحاضرين والمسلمين والمؤمنين كافةً.
يجلس شيخ الطريقة في مقدمة المجلس وبيده مسبحة لضبط عدد تلك الشعائر. يتبع ذلك إنشاد ديني يتضمن مدائح النبوية ومدائح الأولياء. يؤدى هذا الإنشاد وفق إيقاع تضبطه الدفوف الكبيرة ويتصف بالتكرار، ثم يُختتم الذكر بقراءة القرآن.الطريقة الرفاعية هي طريقة صوفية وترتبط بكل أسس التصوف وخصوصاً التمييز بين الباطن و الظاهر تستخدم في الأذكار اللغة العربية الفصحى والعامية، ولا تتميز اللغة المستخدمة بجزالتها وإنما بغموضها واستخدام الرمزية أثناء صياغة الجمل بشكل كبير
.الحال وهو الإنفصال عن المحيط والإنتقال إلى حالة أخرى من التواصل مع الذات ومع الإله
الأذكار الخاصة بالطريقة الرفاعية و التي تقال في المحافل و جلسات الذكر مثل:
يا إله العرش غيرك ماليا سوى عفوك ماجيت أنا راجيا
بجاه أبي صالح سلطان الأوليا لا تسلطها علينا و نبتلي
لقد تراجعت طقوس ذكر الرفاعية وباقي الطرق الصوفية بسبب تراجع أعداد العارفين بالطقوس وتراجع الإيمان بالتصوف ويعزو البعض ذلك إلى توسع مفهوم الإيمان والعمل في الدين على حساب الروحانية كما في أغلب الطرق الصوفية التي ينقطع فيها المريد لمناجاة الله تعالى مع عمله بحرفة بسيطة توفر له قوت يومه فقط.
بالإضافة إلى عدم العناية و الإهتمام بالزوايا الرفاعية فقد أغلقت الزاوية الإخلاصية الرفاعية في حلب و لم تعد تمارس فيها طقوس الذكر.
الموقع الجغرافي لتكية الإخلاصية الرفاعية
تقع التكية الإخلاصية في شارع الرفاعي بمحلة البيّاضة، بميلة إلى الشمال مقابل جامع الصَّروي بمدينة حلب القديمة، إلى يمنة الداخل من باب الحديد. وتسمى أيضًا: "التكية الإخلاصية البخشية" و"التكية الرفاعية" و"الزاوية الإخلاصية".
من أمر بإنشائها؟
أنشأ هذه التكية الوزير الأعظم محمد باشا الأرناؤوط سنة 1044هـ / 1634م حين حضر إلى حلب لإصلاح بعض أحوالها، وأمر بعمارتها من ماله تكريمًا لنزيل حلب الشيخ العارف بالله الزاهد إخلاص الخلوتي الحنفي (ت 1074هـ / 1663م)، فعمرت في غيابه عن حلب، وأمر بشراء أملاك وقفها عليها، وفوق مدخل باب القبلية نص شعري يؤرخ تاريخ البناء (بطريقة حساب الجمّل) آخره:
وقال لسان الحال إذ تم: أَرِّخوا *** بنى مسجدًا لله داعٍ بإخلاص
الوصف المعماري لتكية الإخلاصية الرفاعية
وقد ذكرها كامل الغزي فقال: "وهي زاوية جميلة، وقف عليها وقفًا عظيمًا، تعمل فيها في زماننا الخلوة الرفاعية في فصل الربيع".
وقال عنها أسعد طلس: "وهي زاوية حسنة البناء، متقنة العمارة على النمط التركي". جاءت محتويات التكية في سجلات مديرية الأوقاف بحلب كالآتي: تحتوي على مغارة تحت الأرض للمونة ودرج حجر، وطابق أرضي فيه قبو للمونة وسبعة محلات للسكن وممشىً مسقوف ودرج حجر، ومسجد للعبادة يحتوي على: محل يسمى (ميدان) وفيه تسعة محلات صغار من الخشب ومحل صغير في ذات المسجد، وفسحة دار مكشوفة، وثلاث آبار ماء، وطابق أول فيه سبعة محلات للسكن وفسحة مسقوفة وفناء مسقوف ودرج حجري وبئر ماء، فيكون بذلك المجموع (14) محلًا للسكن في كلا الطابقين. وهي حاليًا مسجد تقام فيه الصلاة، ويتجمع فيها المريدون ليقيموا الأدعية والأذكار والخلوة الرفاعية.
ويتألف المبنى من طابقين؛ الطابق الأول مخصص لسكن الشيخ. احتلت القبلية وضمنها الميدان الطرف الجنوبي من المبنى، وبنيت الخلوات حول الباحة، وهناك غرف اعتكاف صغيرة خشبية داخل القبلية. وتقع قاعة الاجتماعات في الطرف الشرقي، وهي مما بني في فترة لاحقة كما يبدو من طراز بنائها. كما ضمت المطبخ والموضأ والسبيل. وقسمت القبلية ثلاثة أقسام؛ تم سقف القسم الأوسط بقبة.
ويقع المدخل في جهة الشرق، ويوجد فوقه نقش دائري فيه كلمة الله، وتحته نقش كتابي مستطيل الشكل كتب باللغة العثمانية، وفي وسطه حلقة معدنية، وهو يوضح سبب البناء. وللمدخل باب يليه دهليز يؤدي شمالًا إلى غرفة السبيل، وتضم حاليًا دورات المياه، وغربًا إلى الباحة (الصحن)، وقد سقف الدهليز بقبوين متقاطعين.
الباحة مربعة الشكل، مبلطة بالحجارة، وفيها حوض زرع كبير يضم أشجارًا. ويحد الباحة شمالًا غرفتان وإيوان صغير ربما كان إيوان المدخل الشمالي الواقع ضمن البوابة التي تلي المبنى، وفيها درج صغير يصعد منه إلى الطابق العلوي من الزاوية الذي اقتطع منها وحول إلى دار للسكن، وهذا القسم يطل على الساحة بواجهة تتكون بدءًا من الشرق من باب القبلية يليه إلى الأمام نافذتان تعودان للموضأ. ويحد الباحة شرقًا دهليز المدخل وشرفة ترتفع ثلاث درجات عن الباحة، يضم جدارها الشرقي بابًا يؤدي إلى صالة في الشرق، ويضم جدارها الجنوبي بابًا آخر صغيرًا تعلوه قوس مجزوءة يؤدي إلى غرفة الشيخ. وواجهة هذا القسم تتألف من جزأين، الجزء الأول يتكون من غرفة تطل على الباحة بنافذتين وباب تعلو كلًا منها قوس مجزوءة، ويعلوها ثلاث طوق تعلو كلًا منها قوس نعل الفرس المدببة ذات المراكز الأربعة، والجزء الثاني يعود لغرفتين تنفتح الأولى على الباحة بنافذة وباب يليها باب يعود للغرفة الثانية، هذه النوافذ والأبواب أعلى من سابقتها وتعلو كلًا منها قوس مجزوءة بارزة لها مفتاح حلزوني بارز ومزخرف.
ويحد الباحة جنوبًا دهليز سقف بقبو متقاطع يؤدي إلى القبلية جنوبًا وإلى الموضأ غربًا، وتطل عليه غرفة الشيخ شرقًا. وتتصل القبلية في الغرب بأكثر من ثلاثين غرفة خشبية للاعتكاف، وواجهة هذا القسم تتألف من نافذة وباب يليه نافذتان تعودان لغرفة في الطابق الأرضي وفوقها أربع نوافذ في الطابق الأول. ويطل على الباحة من جهة الغرب ثلاث غرف للمتصوفة يليها شمالًا غرفة متهدمة، واجهة هذا القسم تتألف في الوسط من باب تعلوه قوس جرسية، وعلى كل من طرفي الباب نافذة تعلوها قوس توءمي معلقة تحيط بها أفاريز، وفي أعلى الواجهة زخارف، ويتقدم الواجهة شرفة.
وتقع القبلية جنوبي الباحة، ويوجد فوق مدخلها نقوش كتابية شعرية تتألف من عشرة مقاطع. وتنقسم بوساطة عقدين ثنائيين مدببين أبلقين يستندان إلى أظفار مقرنصة ملتحمة بالجدارين في كلا الطرفين الجنوبي والشمالي وعمود مقرنص في الوسط. وتتكون القبلية من ثلاثة أقسام: يضم القسم الشرقي ثلاث نوافذ مستطيلة تطل على الشارع، ويضم الجدار الجنوبي بابًا يؤدي إلى غرفة في الزاوية الجنوبية الشرقية من القبلية، ويضم الجدار الشمالي بابًا يؤدي إلى غرفة الشيخ. أما القسم الأوسط فيضم محرابًا بسيطًا على طرفيه ظفران مزخرفان. وتسقفه قبة منخفضة على قمتها رسوم نباتية، والانتقال من الشكل المربع إلى الشكل المضلع يتم من خلال المثلثات الهرمية المقلوبة في كل زاوية، وسقف كل طرف من الطرفين قبو متطاول سنمي. ويضم القسم الغربي فاصلًا خشبيًا فيه أربعة أبواب تؤدي إلى خلوات خشبية أيضًا.
وتتكون الواجهة الشرقية الخارجية بدءًا من الشمال من نافذة كبيرة تعلوها قوس مجزوءة كبيرة (7 فقرات) مزودة بالحديد، تحتها جرن مردوم مما يدل على وجود سبيل، يليه المدخل وفوقه قوس مجزوءة مزررة بسيطة بنيت ضمن إطار بني بالحجارة السوداء والصفراء والبيضاء يعلوه على طرفي القوس مثلثان بارزان من الحجر الأصفر يحيط بهما إطار من الحجر الأسود وفي الوسط نجمة سداسية، ويعلو ذلك نص مكون من أربعة أسطر، وفي الأعلى إفريز يضم ثلاثة صفوف من المقرنصات يليها سطح مائل يصل بين واجهة الباب البارزة قليلًا والجدار خلفها، فوقه نافذتان. ويلي المدخل جنوبًا واجهة الغرفة الواسعة، وهي مكونة من طابق واحد يضم نافذتين تعلو كلًا منهما قوس مجزوءة فوق عتبة مكونة من قطعة حجرية واحدة، وأعلى الواجهة ميزاب.
ويلي ذلك واجهة غرفة استراحة الشيخ، وتضم نافذتين مستطيلتين ليستا على الارتفاع نفسه، فوقهما طاقة مربعة تعلوها قوس تليها واجهة القبلية، وهي تضم ثلاث نوافذ مستطيلة أخفض من السابقة ويعلو كلًا منها عتب قطعة واحدة. أما الواجهة الجنوبية الخارجية فتضم نافذتين يعلو كلًا منهما قوس مجزوءة (3 فقرات)، وفي أعلى الوسط طاقة ضيقة.
BLOG COMMENTS POWERED BY DISQUS