اليوم كان من المفترض أن تطوي أختي رهف " عليها رحمة الله " عاما جديدا من حياتها , وتستقبل عاما اخر.اليوم كان من المفترض أن أهاتف "رهف " مهنئاقائلا : كل سنة وأنت سالمة ! عيد ميلاد سعيد . وكان سترد علي كعادتها : تقبرني ...أنت حياتي , اشتقتلك روحي , ما بدك تجي لحلب ؟وكنت سأرد : إن شاء الله تخلص المشاكل وأنزل لحلب , أنا كمان اشتقتلكم , اشتقت لحلب وأهلها.كيف الأمور عندكن ..؟وكانت سترد : الحمدلله , عايشين من قلة الموت !المفترض لم يحدث ,وهاتف "رهف" لم يرد .الموت بجبروته , والقدر بمشيئته , اتخذ قرارا, ونفذه غير ابه بمشاعرنا وأمنياتنا.رهف ياملاك من الجنة عاد اليها :قلتي لي : "عايشين من قلة الموت "!لكن الموت لم يعد قليلا في حلب, فقد أصبحت حلب طاحونة يومية للموت .قلتي لي : "اشتقتلك " ,هاهو الاشتياق يتحول ا إلى لوعة وفراق ابدي.قلت لي : " تقبرني "و لا أدري اذا كانت هذه أمنية , أم رغبة , ام دلال , ام نبوءة !ولكني ككل سوري عجزت حتى عن أن أقبر" أدفن " أختي المتوفاة, في مدينتي المنكوبة , كما كانت تنبئني , تدللني , ( تتمنى ) في كل مرة أهاتفها .فقدت رهف, وفقدت حياتها وروحها في ليالي حلب المظلمة ’ الظالمة , وربما المظلومة! .كل ما بقي من رهف في الهاتف رقم , ونصوص محفوظة لمحادثاتنا , وصور لذكريات توقف عندها الزمن يوما ما.رحلت رهف , منذ أشهر رحيلاَ أبدياَ , ولكنها لا زالت حية في الوجدان تحضر معي كل يوم , تحضر في كل خبر يأتيني من بلدي الذبيح , ومن مدينتي المنكوبة .رهف ضحية للنكبة الحلبية , واحدى ضحايا العنف البشري ,قتلوا روحها حسرة وفرقة , ورفض للخنوع , قبل ان يعدموا جسدها .انتزعوا الضحكة من أيامها, وشوهوا البسمة البريئة على شفاهها .شيطنة العالم لم تبتدئ بموت رهف , ولن تنتهي برحيلها , هي كانت فقط احدى ضحاياها .نالت عقوبة كل من يحطم أسوار الخوف في هذا الزمن الموبوء , الفاجر,الغادر, اللئيم , المتجبر.رحلت رهف وتركت لي : عيون دامعة , روح غاضبة , بسمة مسروقة , ضحكة مكتومة , محبة لا تمحى . ذكريات لاتنسى , مع بقايا ذكريات وأحلام .
رهف : كل عام وانت بالجنة !
Typography
- Smaller Small Medium Big Bigger
- Default Helvetica Segoe Georgia Times
- Reading Mode