تقع في كتاب من الحجم المتوسط وتضم 12 قصة قصيرة باللغتين العربية والرومانية. وقام المستشرق البروفيسور جورج غريغوري بترجمة القصص الى الرومانية بالتعاون مع المؤلف.
التي تم الاحتفال بها بشكل استثنائي في حفل مهيب في قاعة الحفل بالمبنى الرئيسي لارض المعارض «روم اكسبو» من قبل الادباء الرومان قبل العرب لكون المجموعة القصصية تعد اول عمل ادبي يطبع بلغتين «العربية والرومانية» وكانها بداية لاعادة زمن الترجمة الزاهر والتي كانت في يوم من الايام جسر التواصل بين الثقافات والالسن، وقد عكس الحضور الديبلوماسي العربي في بوخارست الاهتمام الكبير بهذا الحدث الثقافي الذي اعتبر نقطة مهمة في تطور العلاقات الثقافية بين رومانيا والعرب وحوار الحضارات كونه سيكون وثيقة مهمة للقارئ الروماني لفهم الأحاسيس والمشاعر التي يمتلكها المغترب العربي، وبالتالي امكانية الوصول الى طريقة تفكيره ومحاكمته للأشياء وخاصة ما يختص منها بالعادات والتقاليد.
وكان ابرز الحاضرين لهذا الحفل بجانب السفير العتيقي كل من السفير الفلسطيني أحمد مجدلاني وعقيلته والملحق الثقافي والاعلامي في السفارة السورية.
واكد العتيقي في الكلمة التي ألقاها مدشنا حفل توقيع الرفاعي لمجموعته: «ان دولة الكويت اعتادت ان ترعى الثقافة العربية وتغنيها داخل وخارج الوطن العربي، وتدعمها وفي العام الماضي احتفلت الكويت باليوبيل الذهبي لمجلة العربي. وتأتي رعايتنا للاحتفال باصدار هذه المجموعة القصصية لمغترب عربي في رومانيا، استمرارا لرسالة الكويت الثقافية».
ويعد هذا الاحتفال الذي يقام للمرة الاولى في تاريخ رومانيا باصدار هذه المجموعة القصصية، لمؤلف سوري معاصر مقيم في رومانيا، حدثا ثقافيا كبيرا، حيث قرأ «الرفاعي» فقرات من قصص مجموعته باللغة العربية وقرأ ترجمتها الى الرومانية رئيسة قسم الشباب في النادي العربي الروماني «ايزابيلا» ومن ثم قام الكاتب بتوقيع التذكارات على الكتاب لجميع الحضور. ووقع بنفسه على النسخ لجمهوره. والتي زينتها رسومات الفنانة العالمية سارة الشمه والتي أهدت المؤلف بعض الرسومات خصيصا لاستخدامها في المجموعة وبشكل تلائم مواضيع القصص.
وبدا الحفل بكلمتين من الاعلاميين... الروماني اوريسته تيودوريسكو والفلسطيني أحمد جابر، وتحدث عن المجموعة كل من البروفيسور جورج غريغوري والكاتبة دونا تيودور والبروفيسور انطون كاراجيه، ومدير مؤسسة طيبة الخيرية الاسلامية ابو العلا الغيثي، ورئيس المركز الثقافي السوري عبد الرحمن الدردري.
بالاضافة الى كلمات كل من كارمن ماشيلارو «ام ياسمين» «ميهائيل كالاتسيانو» مدير مجلة الفلاكرا والبروفيسورة كرينا بوكشان، والكاتب تيودور فاسيلي، والاديبة العالمية انجيلا فورتونا.
وتصدرت المجموعة القصصية مقدمات كتبها كل من الشاعرة السورية غالية خوجة، ومواطنتها الأديبة ماجدولين الرفاعي والشاعر الايطالي الفلسطيني صلاح محاميد. اضافة الى عدد كبير من الادباء العرب في جميع الاقطار العربية، وصاغ مازن الرفاعي ابداعه بمداد الشوق وبحبر آلامه والآم أمه ووطنه والعيد الغائب، الا من الأذهان والذكريات ورصد من خلال مجموعته أحلام العربي، حين يظن أن الجنة خلف البحار الأوروبية المنتظرة بواخر العابرين الى ضفافها فتكسرهم الهزيمة والحسرة على وطن أضاعهم وأضاعوه، بينما بقيت المبادئ والمثل تنتظر على الضفة الأخرى عودتهم. وهي قصص عن الغربة تذكرك الى حد ما بكتابات جبران خليل جبران.
ودون مازن الرفاعي بصدق وتجرد الصور التي التقطها بحسه النبيل خلال تجربته الحياتية مع الذات والغير في مجموعته «بقايا احلام ممزقة» يوميات العرب في الغربة بكل مرارتها وقسوتها عبر سرد نثري وصور جميلة مركبة تجسد الصراع بين الثقافة الأصلية، التي رضعها والثقافة الجديدة التي باتت غذائه اليومي، وهي عبارة عن تأملات مرة نتيجة فقدان الصلة بالجذور، والبحث عن توازن بين ثقافتين، والروايات التي سردها الرفاعي، تعكس صدى مابعد الحداثة لأدب المهجر الذي بدأته كتابات عصر جبران خليل جبران، وحرص على تصوير تفاصيل اللحظة الحياتية وملامح الشخصيات وصفاتهم الخارجية والنفسية، مع عدم اغفال العناصر المكانية الجغرافية، والعلاقات الانسانية المتشابكة ما بين العادي والشعري، بين اليومي والحلمي، راصدا بالسهل الممتنع ما يجري في النفوس من خلال رصدها لآثار الأحداث، طارحا سؤالاً هنا، وحكمة هناك، وحرص على تعرية الانتهازيين، الطفيليين، المتسلقين، من خلال نثارات السيرة الذاتية بكل آلامها وآمالها وصراعاتها المختلفة مع الذات والآخر، وما ينتج عنها من استلاب ورفض وصمت وصراخ.
ونالت المشاعر الانسانية نصيبها من قصص مجموعة الرفاعي «بقايا احلام ممزقة» فقد غاص قي قاع المدينة بانماطها المختلفة من تنوعات البشر ورصد الحقائق القديمة التي لا تزال صالحة لاثارة الدهشة، وعبر عن العالم الجديد الذي عايشه وهو يشيد نفسه على أنقاض القديم، وكشف الواقع وعرى العلاقات من المحرم والمقدس وناوش الغربة، ووقف يواجهها محاولا ان يجد قاسما مشتركا بينه وبينها، وقد تناول كل ذلك وكأن قلمه مشرطا قد أصاب الوريد فانفجر الدم غزيرًا، ولما لا فاللحظة الابداعية عند الرفاعي عناق لكل الرغبات المباحة والمكبوتة الظاهرة او المختزلة في النفس البشرية، التي لا تختص بطبقة معينة، ولذلك ليس بالغريب، انه لا يكتب ليقرأه المثقفون وكفى، وهذا كان جليا في قصص مجموعته.
وغنى مازن الرفاعي في مجموعته القصصية «بقايا احلام ممزقة»، بدموع من حرير انسابت على اوراقه... للغربة... للوطن..للضياع، في ممرات المتاهة التي ازدانت بالأحلام التي رصعها فوق مقاعد الدراسة، حيث كان يحث الخطى نحو جسر العبور الموصل للغرب السعيد أو هكذا كان يظن ورفاقه في المدرسة.
وتناول مازن رفاعي فى مجموعته القصصية الحياة بكل أبعادها وتلاوينها، وهي تنتقل من لحظة الخلق الابداعي الى لحظة التجسيد معددا باسلوب ساحر بنيات التصوير بعبارات سهلة الفهم والهضم، وسافر بك من عالم الوجدان المتسم بحالات من الوصف المباشر والمشهدية التصويرية السيناريوهاتية والرومانسية، الى أبعاد المعنى خاصة عندما تتكاثف الغربة والعزلة والحيرة والأسئلة والحياة مكثفة نسقها الوجداني بنسقها الفني المختزل للجملة القصصية، المنقطع عن الواقع الى المخيلة أو الحلم. ورصد الرفاعي في مجموعته حياة الهجرة بذهن متقد وعقلية متنورة، جعلته يحث الخطى نحو كتابة هذه المجموعة النازفة حزنا وألما ومسرات مشوبة بالحذروان حاول الامساك بتلابيب الغربة القاسية، التي يراها كل من يفكر فيها وهو خلف جدارن وطنه انها ذات البريق الساحر، الذي يجذبه الى عالم ينتشله من واقعه، ولكن عندما تطأ أقدامه الغربة يجدها باردة وما ان يسكنه ويسكنها فيبدأ رحلة جديدة اسمها البحث عن نوافذ تطل به على الوطن، الذي كان ومازال يسكن أحلامه.
وكشف الرفاعي في طريقة سرده لحكاياته انه يحمل بين جنبات ضلوعه شاعرًا، في التعبير وصيادا ماهرا في القبض على تفاصيل المواقف واللحظات، ورائعًا في الأداء والتوصيل، وتخفى اسلوبه خلف درر لآلئ ثمينة من العبرات البليغة التي لا يبلوها، حتى لا تكاد تفصل بين قصص المجموعة «بقايا احلام ممزقة» ومؤلفها مازن الرفاعي، بل تتأكد من اول سطر أنك أمام راوي قصة، وليس أي رواية، انها قصص جديدة طوع لها شاعرية الوجدان، الذي حمصته جديدة الموسيقا، جديدة اللغة، جديدة المحتوى، بل وأكاد أقول ليست سورية فقط ولكنها أنغام عربية عالمية تماما. واظهر مازن الرفاعي عبر خطوطه انه ابن واقعه، وتجربته الممتدة بعرض وطول البلاد التي زارها والاشخاص الذين التقاهم وتعامل معهم، ولكن ما حمله من مدينته حلب ظل حقيقة قائمة ويرى ما وقع على الوطن وقع عليها، فهى مدينة في مواجهة عالم عصري وعندما ابتعد عنها سعى اليها في الغربة وبحث عن أهله وأقربائه وأناسه الذين يعيشون معه، فهو لايحيا الا في عالمها وحين يلتقي بهم يلتقي كعرب وكأبناء حلب يحيا معهم ألمهم وفجيعتهم العربية فى محاولة مبتكرة لابتعاد عن فكرة الاغتراب، او انهم كشخوص مغتربين. وهذه طريقة مبدعة للبعد عن الدخول في عمق مقولة ان الاغتراب يخلق حالة من الازدواجية والمعاناة، التي لم يكن المغترب قد حسب لها حسابًا أثناء غوصه في حلم الهجرة.
وبيّن الرفاعي في قصص المجموعة «في السجن» و«يوم العيد» و«ليلة زفافها» و«يوم في العمل» و«عودة سارة» و«ابنتي سارة» و«موعد مع الخيانة» و«أبو المجاري» و«حب وحيد الاتجاه» و«وفاة والدي»، و«رسالة أم لولدها»... بيّن كيف الواقع الذي نعيشه لا ينفصل عن الزمن، الذي يمتص فيه السواد مساحات البياض في الصورة نازعا منه اشعاعه، وكيف يخون الواقع مبادئ النقاء، وهذا ما وضح جليا في قصة «موعد مع الخيانة»؟!، حيث اظهر تعاطفا وهو يصيغ نهاية رجل تنازل عن غيرته وقيمه متخاذلا أمام عواطفه، فغفر الخيانة باسم الحب، رغم انه لمح باقتناع أن الغريزة هي سبب هذا الغفران وليس الحب لن نختلف على انه أحسن الصياغة، وقدم الأحداث بعبرات تصوّر بدقّة. الى حد انك تشعر انه هو الذي يتألم وليس الرجل المخدوع ونهل في تناوله لهذا الموضوع من الضمائر بهيئة الأنا العالمة ببواطن الامور، ومن خلال هذه الزاوية الرؤيوية للأنا اظهر كيف تتداعى أصوات الضمائر الأخرى بهيئة الهو والهي والهم والنحن، لتنقلنا الى عوالم من التضاد النفسي والمكاني والمجتمعي، اما في قصص «يوم العيد» و«ليلة زفافها» وفي «عودة سارة» و«ابنتي سارة»، يبرز تخليه عن الكثير من عاداته... محاولة منه للانتماء للمجتمع الجديد الذي اختار أن يكون جزءا منه، وما رفضه الغير ظاهر لبعض تصرفات ابنته... فهو تعبير عن الصراع الداخلي بين الأصيل والدخيل... فكل محاولات الانتماء كانت ظاهرية أما في دواخله بقي ذلك الشرقي المعتز بمشرقيته تحياتي، وهذا ما ظهر في احساسه العميق بالغربة المكانية والروحية والوجودية وفي قصة «يوم في العمل»، تلبسك رتابة الحياة وطبيعتها الاستهلاكية اما في قصة «في السجن»، فابرز كيفية تسيد طبائع اللا أخلاق كمعيار للزمن المعاصر، الذي يتلون بهيئة زئبقية جارفاً معه أحلام الأبرياء، منحازا الى هؤلاء الذين يشبهونه سلوكا وتفكيراً، وفي قصتي «وفاة والدي» و«رسالة أم لولدها»، يعلو البوح والنشيج واختزال الموت والحياة... وتتحول درامية الحدث وصعود التفاصيل الى حالة متنامية تبدو أوضح في قصة «رسالة أم لولدها»، وهي تجمع ما تفكك بين المونولوغ والديالوغ، بين الانفعالات والحلم والذكريات والمسافة ببعديها الزماني والمكاني، بخاصة مع تحول شخصية الأم من مجرد وجود ورحم وذكرى الى حالة من الفقد والضياع والتأنيب للذات والعودة بطريقة فلاشباكية الى الأيام الماضية. وقد تناوبت الضمائر في سرد هذه القصة، فعلا صوت الأم تاركاً الصمت والحزن للولد، ويعلو صوت الولد تاركاً لصمته المزيد من الامعان في صوت الأمّ الماضي الحاضر. وفي قصة «ليلة زفافها»، أصاب الرفاعي الهدف عندما تناول ابرز القضايا التي تقلق ابناء العرب في مهجرهم تلميحًا الا وهي عدم تقبلهم فكرة ان يكون لفتياتهم «بوي فريند، حيث ابتعد عن السرد العميق لعلمه ان هذه التفاصيل مجرد طرحها فهي قاتلة للرجل العربي فى غربته، لانها ربما تجدد الاحزان او تشعل الشجون، لذلك لم يدخل في العمق مع دق اجراس التنبيه بان الابناء هم ابناء الارض التي زرعوا فيها لن يقبلوا بالعودة الى جذور الاباء، وان حرص على تزين الصورة القاتمة بالتكثيف العالي من الوعي بحقائق الامور والمستجدات قديمها وحديثها شديد.
وكان المحور الأساسي الذي اتبعه مازن الرفاعي في قصص مجموعته الربط ما بين ذاكرة الشرق والغرب، فالبطل الدائم الاغتراب بين الهنا والهناك، يحاول الانفتاح على العالم الآخر بقدر احتماله، ومع ذلك يشعر بغربة هنا وهناك.. هو يتمتع بمبادئ أخلاقية جميلة كالصدق والوفاء والتسامح والميل الى ايجاد واقع انساني متناسب مع مبادئه لكنه بين حدث وحدث، بين قصة وقصة، واستند مازن الرفاعي في طرح رؤيته الى سردية، لا تستند الى الحوار أو المشهد كعنصري بناء رئيسيين، بل تعتمد على لغة سرد بليغة جميلة التصوير، مكثفة لكنها مؤثرة وقد تميز بقدرته على بناء سياقات لا تحتمل كل قول. لا يتميز بقدرته على قول كل شيء، بل قد يكون بالامكان الذهاب بالاحالات الى أقصى ما يمكن أن يبيحه المنطق العقلي، أو تبيحه مخيلة جامحة تهفو الى معانقة كل السياقات الممكنة، ولعل هذه السمات هي ما جعل من الممكن التلميح الى بعض المعاني الحسية التي تخدم الفكرة من دون ابتذال ومن دون غمس.
وحرص الرفاعي ان يبتعد عن لعب دور البطل المطلق في شخوص روياته، متعمدا ان يغيب عن أحداثها وخلق لكل قصة أبطالها الذين يخرجون من صمت الواقع يحركون ماحولهم، ويقص الجميع حواديتهم وامسك بتلابيب شاعريته التي جاءت متدفقة من خلال نصوصه الجميلة، التي تحمل جوهر صفاته الداخلية والخارجية عندما تتناول اشكاليات الغربة، لنا كعرب وهذا موضوع حيوي وتطرحها بشكل يثير الاهتمام، فصنع تجربة فنية قابلة للعزل باعتبارها ظاهرة يمكن التعرف عليها بصفتها تلك. ان الفن هو أسر للقوى الرمزية الجامحة في نصوصه، والتي تم ترويضها من خلال تسييجها بسياقات تمنحها هوية وموقعا في الوجدان والتاريخ وكأنها مقتطفة من الروح، وتنطلق من حالة تضخم داخلي حساس.
واعتبر مازن الرفاعي ان هذه القصص سيرة من نوع ما، فكتب مجريات الزمن الاغترابي، منطلقا من أنا الرفاعي الى شخوصه الأخرى المتنوعة بين الحبيبة والابنة والزوجة والصديق ورب العمل والوطن والغربة، بكل تداعياتها المتشكلة كذاكرة مشتتة بين الوطن ومكان العيش واصل بنتائجها الحتمية فهي الانتماء للهواء، فلا الجذور تنقطع، ولا الأغصان تمسك بالسماء! وتجلى نسجه الابداعي من المقدمة اللاجزافية التي سحرها في الكم الدلالي العميق؛ والعناصر الصورية التي تنطلق من مرجع أنثوي، من صور خصوبية/ الشتاء، المطر، البلل، الباب تدخل في صراع غريب مع صور ذكورية/ الغيوم، الداكن/، ويلاحظ هذا التميز في تغليب مبدئي للصور الأنثوية، لا اعتدادا بالشخصية المحورية داخل النص، لأن النص يقوم على الرحلة في التأمل الشارد. وكان دائما يعكس ايمانه بالواقعية حتى ولو كانت مؤلمة الوخز حادة الطبع قاسية الموقف، بل هي تصدر عنه لتكسره استطاع الرفاعي أن يخلق عملا ابداعيا متميزا، وأن يفتح بانوراما عرضية وأن يؤصل لها، وأن يكسبها طابعها التاريخي. أن يكرر دائما، أنها ليست حكاية تحكى تصلح لكل زمان ومكان، ولكنها حكاية الآن وهنا!