مازن رفاعي – مكتب النهضة - رومانيا
ان تكون طبيبا حلم براود الكثيرين وان تكون طبيبا ناجحا أمنية يعمل من اجلها كل طبيب. ولكن أن تكون طبيبا ناجحا في الغربة هو انجاز متميز يجعلنا نقف باحترام ونتطلع بإعجاب وتقدير لصاجبه.
يندر في رومانيا أن لا تجد في إحدى المشافي طبيبا عربيا ناجحا وصل إلى أعلى المراتب العلمية والمهنية .
ولان المنافسة كبيرة ، والنجاح صعب وخاصة مع وجود أعداد كبيرة من الخريجين الرومان الذين قد لا تتوفر لهم فرصة العمل ضمن هذه المشافي ، فاننا ندرك حجم هذا النجاح وأهميته بشكل جعلنا ندرس هذه التجارب ونحاور أصحابها للوقوف على أسباب نجاحهم وتفوقهم .
مشفى الفوندين الجراحي في بوخارست هو اكبر وأضخم مشافي العاصمة الرومانية ، وأغناها بالأجهزة والمعدات، يضم مراكز زراعة الأنسجة والأعضاء ( قلب – كبد – كلى ) ،في قسم زراعة الكبد يعمل طبيب شاب وسيم اسمر ضمن فريق زراعة الكبد الذي يرأسه أشهر بروفسور روماني في هذا المجال ، حين تستمع إلى حديثه باللغة الرومانية تتأكد انه مصري ومن كفر الشيخ .
الدكتور "علاء الشوربجي محمد" من مواليد كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية درس الطب في مدينة كلوج الرومانية وتخصص في بوخارست بجراحة الكبد، ومن ثم تتلمذ على يد البروفسور العالمي "ايريل بوبسكو " في عمليات زراعة فصوص الكبد.
يقول الدكتور "علاء" ان تكون في فريق عمل البروفسور " ايرنيل بوبسكو " ليست مهمة سهلة، فهو لايرضى بأي طبيب عادي في فريقه ، وقد كان اختياره لي بعد أن سمع عن نجاحاتي وشاهد مهاراتي.
اخترت زراعة الكبد لان أمراض الكبد منتشرة بشكل كبير في بلدي"مصر" رغبت في تخفيف المعاناة عن المصريين خاصة انه لايوجد في مصر الكثير من المختصين ولا حتى في الوطن العربي. ولاشك بان والدتي كانت حافزي الأكبر لدراسة الطب، فإخوتي درسوا الزراعة والحقوق في المنصورة وأنا الطبيب الوحيد في العائلة.
وعن مشفى الفوندين يقول الطبيب علاء: المشفى الذي اعمل به حكومي، يصنف الرابع على مستوى اوروربا في المستوى العملي ، وله ميزانية ضخمة تتجاوز الأربع مليار دولار . ويختص بزراعة الكلى والكبد والقلب.
يتميز الاطباء هنا عن أوروبا بخبرتهم العملية الكبيرة، والدكتور "بوبسكو" هو من احد أهم الأطباء في العالم على مستوى زراعة الكبد، وقد أجرى أكثر من 120عملية ، وكلها كانت ناجحة وهو أول من ادخل زراعة الكبد في رومانيا .
وعن أسباب نجاحه يقول:
سبب نجاحي أن الكثير من المرضى الرومان يرتاحون للتعامل معي حين يدركون أنني مسلم، اخدمهم وأعاملهم بالحسنى ، وأتعامل معهم بغض النظر عن جنسيتهم ،وحالتهم المادية، ومعتقداتهم . فهي أشياء لاتهم في المعالجة. والكثير من المرضى الذين سمعوا عني يحاولون ان أكون طبيبهم المعالج. النفس البشرية التي يخلقها الله واحدة، وان كان المريض المؤمن يساعدنا أكثر لان حالته النفسية تكون أفضل.
نجحت لأنني كنت ملتزما بديني، وتربيتي حصنتني من الفشل، كل الطلاب يأتون هنا في سن المراهقة فيضعفون أمام الإغراءات ويصادقون ويتزوجون وينسون لماذا اتوا ،الزواج هنا سهل بدون شروط ومهر وبيت والتزامات، والعلاقات خارج مؤسسة الزواج سهلة ، والانزلاق سهل جدا
ويتابع الطبيب العربي علاء: انا ارفض الزواج من أجنبية، وأريد أن أتزوج بنت بلدي وديني، لأنني أريد أولادا أربيهم على عاداتنا وتقاليدنا وديننا ، ومهما امتزجنا بالغربة فإننا سنعود إلى نبتتنا وبذرتنا الأصلية. انا اعشق مصر وحتى أني أتكلم الرومانية إلى اليوم بلهجة كفر الشيخ.
وحول وضع رومانيا في المجال الصحي والتعليمي يقول الطبيب علاء: من أراد أن يتعلم فليس هناك فرق بين دولة وأخرى. لان معظم الدول تستخدم أطباء غير محليين، رومانيا بلد توفر الخبرة العملية الجيدة وهناك الكثير من الأطباء الرومان يعملون في الدول العربية والكثير الكثير من الممرضات الرومانيات.
درسنا باللغة الرومانية والانكليزية وهي الأهم لان أهم الأبحاث تصدر بها، ويمروقت حتى يتم ترجمتها ونقلها إلى لغات أخرى يجعلها معلومة قديمة وغير مفيدة.
وعن رأيه في التقدم الطبي في المنطقة العربية ودول الخليج يقول الدكتور علاء:
منذ أن كان ابن النفيس والرازي الحسن بن الهيثم وابن سينا لايزال الأطباء العرب هم الأشهر في العالم وتمتلئ بهم المشافي المتطورة واللامعة في جميع دول العالم .
الطب في دول الخليج خطى خطوات مهمة ، وبعض المشافي والمراكز الطبية هناك تنافس المراكز الطبية العالمية وخاصة في الإمارات وقطر والكويت .
اتمنى لو نكون فريق عمل عربي لزراعة الكبد ، كما هو الحال في جميع دول العالم وأتمنى أن نتجاوز المفهوم الخاطئ للتبرع بالأعضاء في بلادنا لأنه ينقذ حياة إنسان أخر. هناك عدة مؤتمرات عالمية تعقد في رومانيا ويسجل هنا غياب الطبيب العربي عن حضورها .
والتقت النهضة مديرمركز زراعة الكبد في مشفى الفوندين البروفسور الجراح "ايرنيل بوبسكو "
وقد بدأ حديثة قائلا : خلال هذا الشهر سيعقد مؤتمر دولي طبي هام في رومانيا International Associated Surgery Gastrointrology
سيحضره .300 باحث وعالم من مختلف أنحاء العالم ومن ضمنهم أطباء من الوطن العربي وقدتم توجيه الدعوات إلى بعض المؤسسات والمراكز العربية، ونأمل حضور من تونس ومصر وربما سوريا والكويت.
المؤتمرات هي السبيل الوحيد للتواصل. وقد سمعت عن برامج وابحاث طبية هامة في مصر والسعودية ولبنان، وقرأت ان السعودية هي الأهم خليجيا في زراعة الكبد حيث يتم إجراء عمليات الزرع هناك منذ 1994 .
وعلمت أيضا أن الكويت بدأت مؤخرا بالاهتمام بإدخال عمليات زرع الكبد هناك واستضافت المؤتمر العاشر العالمي لزراعة الأعضاء الذي عقد في الكويت في العام الماضي ولم أتمكن للأسف من حضوره.
وعن العلاقات العربية الرومانية أضاف: كانت العلاقات بين رومانيا والدول العربية كبيرة ومتميزة سابقا ، ودرس هنا الكثير من الأسماء اللامعة في عالم الطب ،اليوم قلت هذه الأعداد لأسباب سياسية، وبسبب عدم تجديد الاتفاقيات المشتركة ،وتقليص التبادل العلمي الطلابي. لدي الكثير من الأصدقاء العرب بقينا على اتصال لفترة محددة ومن ثم أصبحت اللقاءات تعتمد على المصادفات. دربت ايضا طلاب عرب من لبنان ومن اليمن ومن مصر ومن سوريا . اذكر من الزملاء الدكتور "ماهر العطاس " . الدكتور "ابراهيم جابر" وصديقي البروفسور" محمد عبد الوهاب" من مصر
عمليات زراعة الكبد لدينا في القسم لازالت دون مستوى طموحنا، وان كانت أرقامها مبشرة ونجاحاتها تضاهي المستوى العالمي ، ونأمل بعد أن دخلنا البيت الأوربي أن نحصل كمركز على دعم مادي ومعنوي اكبر يؤهلنا لنصبح من الأوائل في هذا المجال. في رومانيا أيضا عملية زراعة الكلى تحقق نجاحات على مستوى عالمي والأطباء هنا مشهود لهم بالكفاءة والنجاح.
الأجهزة وحتى العام 2000 كانت ضعيفة ولكن بعد عام 2000 أصبحنا على نفس المستوى الأوربي في أجهزتنا المستخدمة، ولكن لازلنا نفتقر إلى معاهد الأبحاث .ونعاني من ضعف البحث العلمي لان تطوير أي مجال علمي ومهني يحتاج إلى مؤسسات أبحاث متخصصة.
وعن تجربته في تأسيس قسم زراعة الكبد في رومانيا يقول : ربما ساعدني الحظ فقد كان هناك تطور مهم يمكن أن نسميه ثورة في عالم زراعة الأعضاء وخاصة الكبد في فترة التسعينات، وكنت حينها مهتما في هذه النوعية من العمليات،وتابعت اختصاصي في ألمانيا وفرنسا وتدربت في الولايات المتحدة لفترة ثلاث سنوات ،وحين عدت إلى بلدي قررت البدء في تطوير وإحداث هذا النوع من العمليات عملية زرع فصوص الكبد. حاليا اعمل رئيسا لقسم زراعة الكبد في المشفى.
الطريق لم يكن مفروشا بالورود فقد كان علينا أن نبدأ من الصفر لم يكن هناك كوادر متخصصة، ولا قوانين ناظمة لمثل هذا النوع من العمليات، ابتدأنا عملية الإحداث على خطين متوازيين
الأول هو الطريق العملي بإعداد الكوادر وطلب الأجهزة .
والطريق الأخر هو الإداري باستخراج الموافقات وتنظيم العملية ادارايا.
عانينا الكثير حتى وصلنا إلى هذه المرحلة حيث عملنا في فترة انتقالية (بعد الثورة) ، وكانت الأمور غير واضحة والقوانين متغيرة وكانت البيروقراطية لازالت مسيطرة حينها .
على الصعيد العملي أيضا في البداية كان هناك أخطاء وتعثرات ولكن الخط البياني للنجاح كان دائما يتجه نحو النجاح والصعود، لان عامل المخاطرة او نسبة الأخطاء بدا بالانخفاض. وهذا قانون طبيعي لأنه كلنا زاد عدد العمليات قل حدوث الأخطاء وارتفعت نسب النجاح.
1997 أجرينا أول عملية لزراعة الكبد في رومانيا، أجرينا قبلها الكثير من التجارب وبلغ عدد العمليات التي أجريتها حتى اليوم بحدود ال117 ونسبة النجاح بلغت 90% مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفشل كانت نسبته أعلى في الفترة الأولى ومن ثم انخفض.
لدى رومانيا علاقات تاريخية مع البلدان العربية ويجب أن نطورها من خلال نظام العولمة، فقد انهارت الحدود وأصبح العالم قرية صغيرة ،يجب أن نرتفع بالعلاقات البشرية فيما بيننا لأننا اليوم نسير ونتصل بحرية ويجب أن نتعلم من أصدقائنا ونعلمهم.