تواصل الحكومة النمساوية تشبثها برفع الفيتو ضد توسيع فضاء شنغن، كي تشمل رومانيا وبلغاريا، مبررة قرارها بمخاوف إزاء توافد موجات جديدة من اللاجئين إلى أراضيها. وهو ما يطرح من جديد سؤال ازدواجية معايير السياسات الداخلية للاتحاد الأوروبي.وبرر شالنبرغ قرار بلاده ذاك بمخاوفها من موجات لاجئين جديدة، قد تتوافد عليها من البلدين. فيما ليست النمسا الوحيدة في معارضة قرار التوسعة، بل انضمت هولندا أيضاً إلى مخاوف مشابهة. وهو ما يعيد من جديد طرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير في السياسات الداخلية للاتحاد الأوروبي، وعنصريتها ضد اللاجئين.
"سنتشبث بالفيتو!"
قال وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ، في المقابلة المذكورة، أن "المهم بالنسبة لنا، بصراحة تامة، هو أن أرقام طلبات اللجوء تنخفض ويجب أن يكون انخفاض مستمر". واصفاً حق النقض بأنه "إشارة تحذير" لبروكسل، إذ "يجب على المرء أن يفهم أنه عندما نتلقى أكثر من 100 ألف طلب لجوء كل 12 شهراً، من الصعب علينا نحن النمسا أن نترك هذا النظام المختل يتقدم".
هذا وشهدت النمسا تزايداً لطلبات اللجوء خلال العام الماضي، إذ تضاعفت بثلاث مرات في 12 شهراً فقط، هذا دون احتساب طلبات اللاجئين القادمين من أوكرانيا. وهو أعلى معدل لنصيب الفرد في الاتحاد الأوروبي، مما تتخذه حكومة البلاد تبريراً لمنعها توسع منطقة شنغن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
بالمقابل، رفض شالنبرغ تحديد أي إطار زمني لتخلي بلاده عن الفيتو ضد توسع شنغن. واكتفى فقط بالإشادة بالإجراءات الجديدة التي طرحتها المفوضية الأوروبية عام 2021، فيما بات يعرف بـ "الاتفاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء". وقال: "بصفتها بلداً يقع في قلب أوروبا، تعد النمسا مستفيداً كبيراً من شنغن ونريدها (الإجراءات الجديدة) أن تنجح".
في وقت سابق، في أثناء اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين، شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت النمسا رفضها انضمام كل من رومانيا وبلغاريا إلى منطقة شنغن. وصرَّحت وقتها الوزيرة النمساوية للشؤون الأوروبية كارولين إدستادلر: "سنواصل مناقشة توسيع شنغن بالتنسيق مع شركاء في بلغاريا ورومانيا بعد اتخاذ البلدين الخطوات اللازمة فيما يتعلق بسياسة الهجرة واللجوء".
إثر ذلك أكد المستشار النمساوي كارل نامر دعمه موقف بلاده وأنه "لن يكون لمنطقة شنغن امتداد ما دامت الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي غير محمية بفاعلية". وأضاف المستشار متوعداً: "تسببت سياسة اللجوء المضللة للاتحاد الأوروبي في هذا الوضع. الآن سنواصل القتال لتصحيح تلك الأخطاء".
ولم تكن النمسا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي صوّتَت ضد انضمام البلدين إلى منطقة شنغن، هولندا هي الأخرى صوّتَت ضد القرار. وكان البرلمان الهولندي تَبنَّى قراراً يحثّ فيه رئيس الحكومة مارك روته على استخدام حقّ النقض ضدّ طلبَي صوفيا وبوخارست "إلى حين إجراء مزيد من التدقيق والتمحيص"، وجادل المشرّعون الهولنديون بأن انضمامهما قد يشكّل "خطراً على أمن هولندا ومنطقة شنغن بأكملها".
لماذا تعارض النمسا توسيع منطقة شنغن؟
ويرى محللون أن القرار النمساوي بمنع توسيع شنغن، راجع إلى شقين أساسيين أولهما داخلي، إذ إن حزب الشعب النمساوي الحاكم (OVP) يسعى لزيادة شعبيته قبيل الانتخابات المقبلة، ذلك بلعبه على وتر تشكك المجتمع من الاتحاد الأوروبي.
وهو ما يؤكده الباحث في شؤون البلقان والاتحاد الأوروبي، محمد أوغور إكينجي، بقوله أنه: "كحزب محافظ، فإن موقف OVP يتناسب مع المستوى المرتفع من التشكيك في الاتحاد الأوروبي داخل المجتمع النمساوي. علق العديد من المراقبين أيضاً على أنه مع هذا الموقف، أراد OVP مناشدة الناخبين اليمينيين قبل الانتخابات المقبلة في النمسا.".
من ناحية أخرى، ومقارنة بقرار السماح لكرواتيا بالانضمام إلى منطقة التنقل الحر الأوروبية، فإن الفيتو النمساوي بشأن بلغاريا ورومانيا، يطرح مجدداً مسألة ازدواجية المعايير التي تحكم السياسات الأوروبية، وإجراءاتها التمييزية ضد المهاجرين واللاجئين القادمين من العالم الثالث، مقارنة بنظرائهم الفارين من الحرب في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، يضيف الباحث، أنه "بالنظر إلى مخاوف النمسا بشأن الهجرة غير الشرعية، فإن انضمام كرواتيا إلى شنغن لا يخلو من المخاطر"، ذلك لأن كرواتيا "لا تقع فقط على طريق غرب البلقان، وهو أحد مسارات الهجرة الرئيسية إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها تشترك أيضاً في حدود يبلغ طولها 1350 كيلومتراً وتشكل تحدياً جغرافياً مع ثلاث دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي".
ويطرح مراقبون أن فرضية العنف المفرط الذي تواجه به سلطات زغرب اللاجئين العابرين من أراضيها، كان أكثر إقناعاً للأوروبيين، وعلى رأسهم النمسا، للموافقة على انضمامها لشنغن. وهو ما أكده موقع "EUobserver"، في تقرير سابق، قائلاً إن ملف الهجرة كان عاملاً رئيسياً في قبول انضمام كرواتيا إلى منطقة شنغن، "إذ يضغط الاتحاد الأوروبي أكثر على دول غرب البلقان لقمع عبور اللاجئين"
في المقابل تُدين منظمات حقوقية عديدة عمليات الصد غير القانونية التي تنفّذها سلطات زغرب لهؤلاء اللاجئين، كما تسلّط الضوء على الانتهاكات العديدة التي يتعرضون لها على حدود البلاد. ويُطرَد نحو 25 ألف لاجئ من الأراضي الكرواتية كل سنة، بما يعادل 70 شخصاً يومياً.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي نشرت شبكة مراقبة العنف على الحدود في البرلمان الأوروبي تقريراً يتضمن 1600 شهادة للاجئين صدّتهم السلطات الكرواتية، بينها شهادات للاجئين أفارقة تَعرَّضوا لضرب الشرطة الكرواتية، وشهادة أخرى لـ25 طفلاً رُشُّوا بالفلفل قبل طردهم إلى غابة على الجانب البوسني من الحدود.
لماذا تعارض النمسا توسيع منطقة شنغن؟
Typography
- Smaller Small Medium Big Bigger
- Default Helvetica Segoe Georgia Times
- Reading Mode