يــوم عادي... لا يميزه عن غيره من الأيام سوى أنه سيشهد لقائي الأخير بها. وكعادتي وفي كل لقاء
أحاول أن أستحضر بعض الخواطر الجديدة،لأعبر لها عن مكنون قلبي.مضيفا بعض التوابل لمشاعري وأحاسيسي
ليكتسب لقاءنا نكهة المحبين وطعم العشق والوله.
"اشتقت إليك أيتها الحنونة الجميلة،
وكنت أشتاق قبلك للطرف الآخر من الماء،
فقد كنت بعيدة ومجهولة
أيتها المتمردة الطليقة."
في الطريق إلى لقائنا المعتاد،
يجتر الفكر ذكريات تعارفنا ويلوكها بسعادة .
على درجات العمر
صعدت أمامي من الطفولة إلى الشباب.
رأيتها تورق وتزدهر وتمتلئ ثمارها بالأنوثة.
وبمرور السنين
ازداد نهمي لتذوقها واستحواذها،
ونمت أحلامي بوصالها،
إلى أن أتى اليوم الموعود.
يوم الاعتراف.
أذكر حينها كيف أن القلب طار فرحا
يريد الخروج من بين الأضلاع،
ليحلّق من السعادة.
الكلمات تسابقت منسابة عذبة
لتصل إلى أسماعها.
المشاعر والأحاسيس
أكسبا خدّيها الاحمرار.
عيناها تهاوتا إلى الأرض خجلا وحياء.
تعددت لقاءاتنا
وتحولت قصتنا شعرا على الدفاتر،
ورسما على القلوب،
ولحنا في أغنية حياتي.
كتبت لها ما لم يكتبه غيري،
وما لم أكتبه أنا لغيرها.
ذات يوم أتتني رافلة في ثوب البراءة،
وانهارت أمامي باكية معترفة بأنها خاطئة،
لا تستحق كل هذا الحب.
حدثتني عن بحار هائجة،
وأمواج قاتلة،
وسفن غارقة.
حدثتني كيف حازت على الإثم والخطيئة
في لحظة تهور عابرة،
وكيف أنها تبحث عن
حب يدفئها،
وعقل يفهمها،
وقلب يسامحها.
أحلامي المؤودة تناثرت على ضريحها
أفكار سوداوية.
تحطمت الآمال بمطرقة الآلام
وبدا المستقبل ضبابيا.
حدثتني
عن آهاتها وأحزانها،
عن الندم والألم،
عن الغفور الرحيم،
عن التوبة النصوح.
على باب حبها وقفت مشدوها كطير جريح
يرتفع ويهبط،
ولا يقوى على الدخول.
في ليلة ذاك اليوم
تعرفت على الأرق
وسهرت معه حتى مطلع الفجر.
في اليوم التالي
جمعت الحنان والحب،
الذكريات الجميلة،
هتكت عذرية الفكر واللغة،
وخاطبتها. قلت لها:
"من يحب لا يكره،
ومن يملك دفء الحب
لا يهمه قسوة وبرودة العذاب،
ورب العباد غفور رحيم،
فكيف وأنا عبد من عباده؟
لقد أدمنت حبك،
فلا مهرب من الإدمان.
لنحرق مراكبنا المتهرئة،
ولنبحر سوية بمركب جديد،
مبتعدين عن شواطئ المعاناة والآلام،
لنبحر بحثا عن شاطئ جديد للأمان،
و سأكون طبيبك المداوي،
سأشفيك من أمراضك،
وأطلقك من قفص الماضي."
يومها تعانقت أفكارنا،
والتحمت شفاهنا،
والتصقت أجسادنا.
مرّ أكثر من شهرين،
ومع كل لقاء كنا نبتعد عن الآلام والأحزان،
ونقترب من السعادة والآمال.
وها نحن اليوم نلتقي في يوم عادي
لا يميزه عن غيره من الأيام
سوى أنه سينحت في الذاكرة
مكانه بين الأيام.
اليوم كانت ترتدي وعلى غير العادة
وشاحا أسود يزين رقبتها البيضاء.
جلسنا على زاوية المقهى
الذي سيظل شاهدا
على قصة حب لم تكتمل.
عيناي وكالعادة كانتا تتأملا وجهها
وتعانقا كل خلية من خلاياها،
وفي غفلة من الزمن
التفتت إلى الطرف الآخر.
فابتعد الوشاح عن آثار جريمتها،
علامة الخيانة الحمراء على رقبتها
نظرت إليّ محدقة بتحدٍ.
خفقات قلبي ازدادت.
جملتي العصبية تحفزت.
بوصلتي الداخلية فقدت الاتجاهات.
طلبت منها خلع الوشاح برقة،
ومن ثم بلهجة آمرة نزقة،
تحررت العلامة
وخرجت من تحت ظلام الوشاح
الذي فرض عليها،
فبدت واضحة تحت ضوء النهار.
سألتها من زرع هذه العلامة هنا؟
وبلهجة امتزجت فيها مشاعر الغيرة
مع المزاح والحيرة والتساؤل
تماديت متسائلا: "هل التقيت به؟"
إيماءة مكسورة الوجدان
كانت كصاعقة انقضت على مشاعري
وكقنبلة نووية تنفجر في رأسي.
انهالت الأسئلة بعدها:
"كيف؟
ولماذا؟
ولم؟
وأين؟
ومتى؟"
عذرها الأقبح من ذنبها،
ردها اللاإنساني،
اللامبالي،
لا يزال يتردد على أسماعي
كمعزوفة جنائزية.
أجابت بهدوء إجرامي:
"طلب مني موعدا، لقاء وداع، وألح.
رفضت.
فلمّح لي مهددا أنه سيكون لقاء الوداع،
فوافقته خوفا وخشية،
تحدثنا وتصافينا،
وقبلني قبلة أخيرة تاركا تلك العلامة.
ولكن أقسم بأغلى ما أملك
أن كل شيء انتهى بيننا،
كان لقائي الأخير به."
وانهارت دموعها.
لا أدري أكانت دموع خوف؟
أم دموع ندم؟
أم كلاهما؟
قلت لها مودعا:
"نعم، كل شيء انتهى."
مساء الحزن،
مساء الغدر والخيانة،
وصمتت،
أغلقت فمي،
وجعلت عينيّ تصرخ.
اليوم تعرفت على الغدر،
ولأول مرة في حياتي،
اليوم اكتسبت صداقات جديدة.
ها هي الخيانة تصادقني،
وها هو الأرق صديقي يعود إلى زيارتي،
وها هي الليالي تسامرني،
فأباري نجومها بالأرق.
اليوم كتبت لها آخر رسائلي
التي لم تستلمها.
على أنغام أغنية لست قلبي
لعبد الحليم حافظ
كيف يا قلب ترتضي
طعنة الغدر في خشوع؟
وتداري جحودها
في رداء من الدموع؟
لست قلبي
وإنما خنجر أنت في الضلوع.
كتبت لها:
"لا، لست لي ولا حبك لي.
أنت ورد ما به رائحة.
لونه الأحمر أدمى مقلتيّ