ربحت الحياة... ولكني خسرت الحب والدفء

قصص
Typography
  • Smaller Small Medium Big Bigger
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

"بيت المرء مملكته “بهذه العبارة تعبر "أم عبدو " عن ألم النزوح ، وتتابع أنا لم اترك منزلي...  أنا هربت من الموت ،  ياليتني مت هناك أمام منزلي ،  فانا أموت هنا كل يوم اَلاف المرات.!ربحت الحياة... ولكني خسرت الحب والدفء ، بيتي كان جنتي المليئة بالزهور والأشجار المثمرة,  

في وسط باحته نافورة صغيرة لازلتُ أتذكر أصوات مياهها وهي تتدفق ،وأطفالي يلعبون حولها فرحين مسرورين لا خوف عليهم   ,ولا جوع ,ولا قتل ,ولا دماء ،

حتى  الشمس التي كنا نتبعها  لنكتسب دفأها ، اليوم نهرب منها ومن لسعاتها الحارة !،  والمطر الذي كنا  نفرح بهطوله،  أصبحنا نخاف سيوله وفيضاناته .


كنا نعتقد أن هذه الحياة هي للفلسطينيين فقط ، لأن عدوهم شرس وظالم  ولا أخلاق له ولا إنسانية ...كما كانوا يقولون لنا!


وتتابع " أم عبدو "  بنبرة حزينة ،  انا لاأ فهم  أي شيئ بالسياسة  ، سمعت عن الثورة،  وعن التظاهرات , وأن الرجال تريد تغيير الحكومة ، والقضاء على الحكام الظلام  وفسادهم لكي نعيش كبشر , ويزداد دخلنا  , ونتخلص من الفقر والحرمان!


و لأني أقيم في (بستان القصر ) *  فقد توافد المهجرين إلينا من (الصاخور)**  المنكوبة  ، وقد أتت  إلى منزلنا  ابنة خالتي , وكانت متورمة من الضرب،   قالت أنهم ضربوها بأعقاب البنادق على رأسها وجسدها، وحدثتني عن وحشية الذين هاجموهم, وعن القتل والإغتصاب والسرقات ،

في صباح أحد الأيام اخبرونا أن هؤلاء الوحوش البشرية قادمون إلينا ،
قالوا  أنهم يفتشون عن السلاح,  وعمن هم ضد الأمن والأمان  ، كنت أرتعد خوفا وكوني حامل بإبني "محمد" كانت حركتي محدودة ، وجلست أقرأ القران في سري, وأدعو لربي أن يحمي أولادي منهم ، وفجأة سمعت أصواتا مرتفعة ورأيتهم أمامي.


من هاجمنا لم يكونوا من رجال الجيش ،  كانوا حليقي الرؤوس, ومطلقي اللحى ,ويضعون حول  معصمهم شريطاً أخضر اللون  ،ولهجتم تدل على أنهم من أبناء المنطقة!

.
لا أستطيع أن أصف الخوف والرعب  الذي انتابني , فقد انفصلت عن جسدي ولم أعد أفكر ، قالوا أنهم يبحثون عن المسلحين  والمجرمين ،  ولا أدري  كيف يخطر ببالهم أن يختبئ مسلح داخل كيس (شوال)  من السكر أو البرغل !

وهل سيخرج المسلح من تنكة الزيتون  والزيت التي طعنوها بسكاكينهم حتى نزف كٌلُّ ما فيها من قوتٍ لي ولعيالي.

ولا أدري  لماذا تركز بحثهم عن المسلحين فقط في المطبخ !

 لم  يأخذوا أي شيء  من المنزل... ولكنهم لم  يبقوا لي أي مؤونة أو طعام فيه . وحمدت الله أنهم خرجوا ، وأن ضحاياهم اقتصرت  فقط على بيت المؤونة !

بعد بضع ساعات بدأت (الهدايا)  تصلنا ، قذائف  منهمرة استمرت لساعات،  ونال منزلنا  حصته منها , فتهدم جدار إحدى الغرف بعد أن أصابته ثلاث قذائف خلال ساعة واحدة .

هربنا إلى منزل أهلي ، و بعد أيام  اطمانَنتُ على منزلي من خلال التلفزيون ،  إذ رأيته يحترق هو ومنزل الجيران ، وسمعت عن قتلى وجرحى من جيراني ،  وقررنا أنا وابنة خالتي أن نهرب إلى هنا . إلى المخيمات * ، فالقذائف العمياء لا تعرف أولاداً  أو نساءً ،  وما حدث  لأكياس الرز والسكر في مطبخ منزلنا يمكن أن يحدث لنا أيضا .

خرجت من المنزل بالثياب التي تسترني ،  ولا أملك اليوم إلا  ابني "عبدو"  وابنتي "الاء"  وهذا الرضيع الذي ولد هنا في المخيم ليصبح سوريا من أبناء المخيمات !


لا شيء يبدد خوفاً وقهراً يسكنني مع قسوة التشرد والهوية الضائعة ،
هنا نعيش على المعونات ، لا نخاف من المسلحين ولا من الرصاص والقذائف ، ولكن الحياة في المخيم ذل ، لم نعتد عليه نحن السوريين فنحن أبناء عز،  واعتدنا أن نستقبل الضيوف لا أن نكون ضيوفا.  أملي كبير بالعودة إلى منزلي وأن أبنيه من جديد .لن أسامح كل من كان سببا في تهجيرنا وقتلنا وتهديم منازلنا ،

وإن لم استطع فسأنتظر أطفالي  "عبدو ومحمد" ليأخذوا لي حقي وحق أهلي حين يكبروا .

 

* + **  منطقة  شعبية في مدينة حلب .