على أريكة الحياة، يتهالك القلب المتعب، نبضاته تعد الثواني المتبقية، الجسد المنهك يعانق السرير الأبيض، الزمن يترك علاماته على الوجود. سرير بلون الحقيقة، لونه الأبيض يشع الأمل، والأجساد تبادله الألم، قَدَره أن يكون مجمعا للأحزان، ومحطة قصيرة للأجساد المتعبة.
الغرفة تبتلع أجساد منهكة، تستعد للرحيل الأبدي، جسد ينتفض هنا، وآخر يتهاوى هناك، وثالث يخوض معركة فينتصر في جولة، وآخر يخسر جولة. أرواح مبعثرة، تجمعها وحدة المعاناة، والرغبة في طريق العودة.
كم من أجساد أنهت رحلتها هنا! ففارقتها حزينة أرواحها، وابتعدت عنها إلى غير رجعة.
ملاك الموت يقود الرحلة، ويجلس مرتاحا في عربته يدخن غليونه، ويختار زبائنه في رحلته الآتية.
جنود من الأطباء، بأسلحتهم الكيماوية والالكترونية، يرممون جدارا عازلا أمامه.الموت سلعة يقتات منها الجميع.
آلة الجسد بحاجة إلى إصلاح، فإذا تعذر إصلاحها، فالأرض جائعة، تريد أن تهضم وجبة جديدة لتثمر بها حياة جديدة.
الحب الأزلي الوجود، والروح الفسيفسائية المتطلبات، يسكنان غابات الحقيقة الخضراء، حيث أشعة الشمس الذهبية ترسم وجودها على سيقان الأشجار، فتعري الحياة المستترة وتبعثها من التربة، معزوفة الطبيعة تبتسم في تناغم مع معادلات الحياة.
أنغامها الملونة ترسم لوحاتها الموسيقية، فتبدأ بذورها بالتغلغل، والتعشق، والتجذر، والتعنق منطلقة نحو سيدتها الشمس معانقة الهواء معلنة ولادة حياة جديدة.
معنى الحياة لا يفهمه، إلا من ذاق الموت، أو اقترب منه، الصراع بين الروح والجسد، بين الوجود والعدم،ب ين الحياة والموت. النفس تصبح صافية صادقة، لا جوع ولا جنس، لا كذب ولا سرقة، لا صراع ولا أموال. تسود غريزة واحدة،هي غريزة البقاء.
قناة الروح تعود إلى صفائها، ونور الرب يضيئ الجسد، حتى المشاعر تكون صادقة، والثقة بمن حولك عمياء، والأمل والألم يتحدان. حسابات البنوك تتجمد، والعمارات والأراضي تصبح وحشا يريد أن يهضم الجسد.
المعركة تكون مع أحد أعضاء الجسد، انتقل الصراع الكبير إلى صراع مع الذات مع الجسد، لا رفيق ولا صديق، لا أموال ولا ممتلكات، ولا نفوذ ولا قوة .
انتهى كل شيئ، أتت ساعة الحقيقة، على الباب ينتظرك قفص حديدي، لينقل جسدك إلى عالم الظلام، ومن ثم ليقدمه طعاما للأرض.
هنا تنتهي ملاحم الأبطال، فيتلاشى العظماء، ويتحول الجبابرة على هذا الأبيض إلى ذكريات، ماتلبث أن تذروها الرياح.