قصص الأطفال من أفواههم ، قصص تشيب لها الشعور وتبكي بقساوتها الحجر الصوان .ذكريات مرة ، واحاديث مؤلمة، وغصة كبيرة ، حين تجلس إلى هؤلاء الأطفال الذين لم ترتسم البسمة على وجوههم منذ اشهر.تركوا منازلهم ومدارسهم وأصدقاءهم وأقرباءهم وأهلهم وجيرانهم وخرجوا في ليلة حالكة هاربين من بؤس وشقاء ، من قتل وخطف وتعذيب ، من أصوات الرصاص ودوي المدافع وصفرات الصواريخ وجحيم الخراب .
تحملوا ندرة الطعام، وانقطاع الكهرباء ، وتراكم القنابل والقتلى في الشوارع ، ولكنهم لم يتحملوا انهمار البراميل على بيوتهم ، ففروا ناجين بأرواحهم وكانت رومانيا البلد المضيف الذي احتضنهم .
هم لم يختاروا إلى أين وإنما الأقدار ، الأم رومانية ، أوالأب حامل الجنسية الرومانية أو الأقارب أو المعارف في هذا البلد ، كلها أسباب دعت أهاليهم للهروب نحو رومانيا المعاناة واحدة والقصص تختلف .القتل واحد والطريقة تختلف. الهدم واحد والقذائف تختلف .
كل منا هاجر يوما ما وهو يحمل في جعبته ذكريات بلده ، ذكريات جميلة عن الأهل والبلد والأبنية ،والحدائق والشوارع، والألفة والمحبة ، الى هؤلاء الأطفال فقد حملوا في ذكرياتهم القنص والقصف، الدماء والقتل ، الجرح والاغتصاب ، الاعتقال والتعذيب ، الألم والجوع ، العطش والخوف .
كيف يمكن لأحدنا أن يخاف من بلده أمه الحنون ؟
ويهرب من حضنها إلى حضن أخرى !
هل سمعتم بأحد يشتري بارودة ليقتل بها طفله !
وصاروخ ليهدم به بيته !.ومدفع ليهدم مدرسة أطفاله !وطائرة لتقصف مباني أهله وجيرانه!
م.ح : طفل من درعا تم قصف منزل أهله بالهاون، وجريمتهم انهم خرجوا في تظاهرة طالبوا بها بالحرية ، وقالوا : سلمية، حرية ، نريد إسقاط النظام ، فسقطت طلقات المدفعية عقوبة لهم على تجرئهم وحديثهم الممنوع، صديق هذا الطالب مات تحت التعذيب وعمره 16 عاما ، م.ح لن ينسى صديقه ، ولن ينسى آثار التعذيب على جاره، ولن ينسى منظر الشهداء الذين قضوا أمامه في مظاهرة أراد ان يشارك بها ,فكان الخوف والرعب له بالمرصاد ، حينها عاد الطفل (م . ح) إلى بيته مصفر الوجه، وبعد ساعات من الصمت المطبق بدأ بالبكاء ، ولم تسكت دمعته منذ ذاك التاريخ حتى اليوم .
خرج (م.ح) مع صديقه ذات يوم ليعبر عن رأيه في تظاهرة ، وبينما هو يصرخ سلمية ..طغت على صوته وصوت رفاقه رشقات سلاح واخترقت أجسادهم الغضة طلقات مميتة ، هرب (م.ح) وعلم لاحقاً بعد هربه أن صديقه في الصف نزف في الشارع حتى الموت ، كان صديقه الجريح ينظر إلى الوجوه طالبا العون والمساعدة ، ويمسك صدره متألما ، الناس لم تستطع إنقاذه فقد كان ممدداً ينزف في منتصف الشارع، وأية محاولة لإسعافه تعني الموت برصاص القناصة .
للمرة الأولى في حياته تعرف الطفل "ح.أ " على المصفحات والدبابات التي كانت تختال في شوارع بلدته الهادئة الوديعة ، ويستطيع اليوم ورغم عمره الصغير أن يميز بين نوعية الأسلحة من خلال أصوات طلقاتها ! خبرة لن تقدمها لطفل أي دولة في العالم ماعدا دولة الممانعة والمقاومة ، سورية ...!
(ح.أ) لن ينسى أستاذه مدرس اللغة العربية ،الذي كان أباً عطوفاً على الطلاب ، ولا يدري حتى الآن لماذا تم اعتقال أستاذه وتعذيبه وحرق جسده بالسجائر ، ولازال (ح.ا) يحتفظ بصورة جثة معلمه المشوهة والمحترقة في هاتفه النقال، ولا يعتقد انه سينساه يوماً ما، أو سينسى من فعل هذا به .
الطفلة (ن.د)
تحدثنا عن طريق الهروب من منزلها وبلدها الى تركيا , طريق مليئ بالمسلحين من كافة الأنواع والأسماء والهيئات طريق للرعب ولكن الطريق لم يكن أكثر رعبا من منظر جسد خالها الشهيد المليئ بالجروح والثقوب والكدمات . خالها الذين قالوا عنه معتقليه انه كان مندساً وعميلاً وخائناً. ولم يراه احد بعد اعتقاله الا جثة هامدة على قارعة الطريق.
أما "ع .ح " فيقول والدمعة في عينه لاتنزف قتلة اخي لم يكونوا سوريون كانوا يلبسون عصابات على خوذتهم وأيديهم , مناظرهم كالوحوش ، رايتهم يطلقون النار على الجميع ، لا اعتقد أن سوري يمكن أن يفعل هذا بسوريين - ، لاشك انهم أجانب ومجرمون .
(س.أ) والدها تاجر معروف في حلب بسوق المدينة ، وهم الآن فقراء يعيشون على المساعدات من الأهل والأقارب ، أشهر وبيتنا في حلب دون ماء وكهرباء، فنحن نسكن في منطقة السبيل وهي منطقة آمنة في حلب لكننا نسمع يوميا أصوات القصف واعتدنا عليها ، لا يوجد في المدينة عمل ، لا يوجد مواد غذائية ، عائلتنا كبيرة 7 أفراد ويلزمنا غذاء ودواء وتدفئة وأمان ، محلات والدي في المركز التجاري أغلقت ، الخانات أحرقت، وما بقي منها تم تفريغه ، لذلك هربنا الى رومانيا .
"م.ك" يشكو من صعوبة العيش في رومانيا ,ويتمنى العودة إلى منزله ومدرسته ولكنه يعترف باستحالة ذلك قائلا: مدرستي 3 طوابق خربت كلها، قصفوها بالبراميل.
كانت فارغة ولكن قصفوها بالطائرات . رأيت طائرة ونزل منها برميل، وبعد دقيقة انفجر صوت قوي ،ضربوا بيتاً بعيداً عن بيتنا ، كانت طائرة "سوخوي " .نعيش جانب المطار ونعرف أنواع الطائرات من أصواتها . فقد كانوا يجرون تدريباتهم يومياً ويمرون فوق بيوتنا
كانت واحدة من الطائرات التي اعتادت أن تمر كل يوم الساعة 6 صباحا فوقنا وتوقظنا من النوم على أصواتها ، يجرون تدريباتهم فوق بيوتنا، لها نفس الصوت ، ونفس الشكل وعليها نفس العلم .
"ح.ع" جيراننا كانوا يتظاهرون ، في البداية كانوا يأخذوهم إلى الفرع يحتجزونهم لمدة ساعتين ويضربونهم ومن ثم يفرجون عنهم .
بعدها بدأوا يفتشون بيوت من يخرج للتظاهر ، ويحطمون محتوياته، ويهينون سكانه ، كثر المتظاهرين, فاتفقوا مع وجهاء المدينة أن يخرجوا مرة واحدة بالاسبوع فقط ولكن أعداد المتظاهرين أصبحت بعشرات الآلاف ، قصفوا المسجد الذي تخرج منه أكبر مظاهرة وقتلوا بالرشاشات صديقي بالمدرسة ...عمره 13 عاما ،
أهل الطفل هاجموا المخفر الذي تمركز على سطحه الرشاش الذي قتل ابنهم وسيطروا عليه ، في اليوم التالي أتت قوات الجيش واستعادت المخفر والشباب الذين هاجموا المخفر هربوا وصاروا ثوار ، وبدأوا يهاجمون أمكنه تمركز القناصة والأمن .في احدى المرات قتلوا قناص أجنبي كان يتمركز فوق البريد ويقتل 5-7 أشخاص كل يوم .
اما " ع.ج " اعتقلوا والدي ... بتهمة دعم الثورة بالمال اعتقله أمن الدولة . في المرة الأولى استدعوه واعتقلوه يوماً واحداً، و كذلك في المرة ثانية ،ولكن في المرة الثالثة اعتقل لفترة 60 يوما ، عندما شاهدت والدي بعد خروجه من السجن لم أعرفه بكيت كثيرا ، سمعت والدي يحدث صديقه أنهم كانوا يضعون المازوت في ماء الشرب وأنهم أعطوه حبوبا لا يعرف ما هي ، ومرض والدي هناك
في الأيام الأولى كان والدي في السجن واقفاً على رجليه ، لم يكن هناك مكان ليجلس ، كانوا يدخلون علي المساجين في الليل ويضربونهم وهم نائمين .بعد أسابيع من خروج والدي من السجن نزلت قذيفة على منزلنا ومنزل جيراننا ، فهربنا إلى رومانيا ..صديقي في المدرسة ذهب ليشتري خبزا ، فرجع جثة هامدة إلى أهله، لقد تم قنصه وهو يركض شاهدته كان هناك دم كثير وراسه مهشم .خالي أيضا تم خطفه من عناصر قالوا انهم من المخابرات ودفع أهله مبلغ 100 الف ليرة بعد 15 يوم رجعوه للمنزل .
(ب.م) رأيت طائرة الهليكوبتر وهي تطلق الرصاص على المتظاهرين، كان يجلس فيها شخص عسكري “جيش" - رأيتهم كيف قتلوا طفل يقود دراجته ويحمل علم الثورة تم قتله من الهليكوبتر تلك التي تحمل علم النظام ! .
(م.ل) رأيت صديق أخي وكيف أخذته الشرطة من أمامي ، لم يكن معه هوية لان عمره 14 سنة كان يبكي ويخبرهم ان عمره 14 سنة ولا هوية لديه لم يصدقوه .بعد أربعة أيام رأيته بعد أن خرج ضربوه ووجه متورم واخبرنا أنه لم ينام من الخوف كان يسمع أصوات صراخ لازال يسمعها في نومه .
(خ.ص) رأيت طفلا بدون رأس أخرجوه من تحت أنقاض بناية دمرتها براميل سقطت من طائرات تحمل علم النظام .
مع أطفال سوريا الحديث لا ينتهي والمأساة تكبر يوما بعد يوم ، والقصص تدمي القلوب قبل ان تبكي الأعين ، والحديث ذو شجون ، ولكن جميعهم اتفقوا على ضرورة تغيير النظام ولكل منهم أسبابه ويبقى السؤال لمن يطالب ببقاء النظام .
ماذا علينا أن نخبر هؤلاء الأطفال كي يحترموا النظام ويدافعوا عنه ؟.