بوفاة والدتي خرج "مازن" إلى مغتربه هربا من وطنه , الذي قتلت مشفاه والدته , خرج قبل أن ينتقموا منه حين امتشق سلاح الكلمة وجرده في وجوههم قهرا وإنصافا لوالدته الشهيدة التي قتلها خطأ طبي في مشفى حكومي خشي والدي على ابنه الوحيد من أن يصبح نسيا منسيا!
... فجعله مغتربا . وفي زمن غربته توفي والدي وتوفي الوطن, وعم الظلام ونعقت الغربان , وأصبحت حلب مدينة الأغراب. وازدهرت مدن الأعراب الفاجرة , وباع البشر أنفسهم للشيطان, بعد أن أبيحت دمائهم ,وبيعت أعضائهم , وسبيت نسائهم والقي بمستقبلهم في سلة المهملات.
وفي زمن غربته شرب الجميع الخيانة من كؤوس العمالة , وهاجرت القيم والأخلاق, وفاحت رائحة العفن الأخلاقي من حولنا .
وانا بقيت هنا في وطني , فأضعت عمرا ودفنت أحلاما, واليوم سأرحل في صمت , ولن يعرف "مازن " بموتي إلا من غيري , سأرحل وانا أكتم في صدري شوقا للقائه ومعانقته ووداعه .
سأرحل وحيدة كما عشت وحيدة ,
قضيت هنا حياتي الرتيبة منزلا ومدرسة وشارع , وصدمات متتالية ببشر كشفوا عن أقنعتهم فانبهرت بحقيقتهم أحيانا , ورثيت لحالهم أحيانا أخرى , واخترت أن أصمت . وقررت أن انتقل للعيش خارج اطار هؤلاء البشر, فلم أمتلك القوة والبأس والشر لأعيش بينهم ولأن أكون واحدة منهم .
محاولاتي المتعبة لاكتساب صفاتهم، كانت فاشلة على الدوام , فقد سهرت ليال وانا أخطط لاتخاذ قرارات صعب علي تنفيذها , لذلك قررت أخيرا أن لا أعيش على هذه الأرض الملوثة , وانتقل لأعيش في مكان آخر حيث الحب والعدل والخير, تاركة خلفي التعب والشقاء , الحزن والبكاء , اليأس والمعاناة كلهم خلعتهم على شواطئ الرحيل , ودخلت بحر الوداع دون قهر,
تعبت من المحاولات حتى توفيت من التعب استشهدت برصاص قناص المصالح اللاهي, وأصبحت جثة هامدة , وذكرى طيبة , ماتت حروفي ورحلت كلماتي عن مسرح الحياة.