بدأ العد التنازلي لأيامي التي باتت معدودة ، وبدأت أستنفر آلامي وأحزاني وهاهي ذكرياتي تستعد معي للرحيل. ذاك الذي يقولون عنه مؤلما" ... لكنني أنتظره بشغف وترقب فلامقارنة بين آلام أكابدها وألم الرحيل. مستلقية على سريري أطارد نوما" هرب من مقلتي بلا عودة منذ أيام وأظنه لن يعود!ليلٌ طويل مظلم حزين يصر على مداعبتي ،وخطوات ألم متعثرة عرفت طريقها إليّ... وخلف دموع الحزن النازفة والأوجاع يُنسَجْ لروحي رداء ليل بهيم ....نجومه ذابلة بَريقة بلون الدم ....
مابك أيها الحزن ؟ انتقلت بي من صحراء الهموم إلى صحراء التعاسة والبؤس.ومع تراتيل صلاة الفجر القادمة من المآذن الأربعة لمسجد التوحيد في حيّنا،أُعلنتْ خُطا قدوم يوم جديد ....
صوت المؤذن يدخل بلا استئذان، لتحضنه جدران هذا المنزل لتتناغم مع أحزاني وآلامي الذين باتوا رفاقي الدائمين في آخر سنواتي.
هي أصوات ألفتها جدراني كأصوات الباعة المتجولين ، كأبواق السيارات لا كأزيز الرصاص كزخات المطر ، لا كهدير السيارات وانفجار المدافع والقذائف .... والتي أصبحت زائراَ يومياَ مزعجاَ يقض المضاجع ويهز الأسماع بضجيجه، ويلوث الحياة بأنواع الموت والدمار والتشرد.
حلب باتت مدينة الصمت والشرود والذهول واللاحياة....منكوبة تعبق في أرجائها رائحة الدم ...الموت...القهر وألوان العذاب....
لم تعد تشبهنا هُجرت ربما بلا عودة وعاثت فيها أقدام الموت إلى حد الإدمان، اليأس والعجز عنوان يتصدر صبح أيامنا ويحكمه بقوةٍ كبيرة.
أحاسيسنا تبلّدت و باتت نقمة لمن يفكر في اشعال جذوتها في هذا الزمن الموبوء.
صباح يجدد الحزن في شراييني المقهورة، وينشر الضوء في كل مكان إلا في نفسي، فالعتمة باتت تسكنني.
بدء يوم جديد لحياة رتيبة أمضيها بمفردي يزينها وجود "دينا" جارتي الحميمة أحيانا والمزاجية دائما وابنها "ورد "كوردة في صحراء حلب، وبين الفينة والفينة صوت أخي الروماني" مازن" يعيدني إلى ذكريات الطفولة وأيام السلم والرغبة في الحياة، حين يخبرني عن حلمه بالعودة وانتهاء الأزمة، ويبشرني بعودة الإنسانية والضمير إلى بني البشر، وشوقه للقائي واسترجاع ذكريات طفولتنا الجميلة.
أحلامه بسيطة ولكنها مستحيلة، إلى أين سيعود؟
فقد اختفى شاطئ الأمان، وتلاشى الأمل في عودة الوطن وعودته إليه.