ولد النحات SÎDO RESO سيدو رشو في ناحية "شران" بمنطقة "عفرين" عام 1960 وبدا هوايته طفلا في تشكيل المعجون , وفي مراهقته عمل في عطل الصيف بمهنة تصويج الباصات , ليضيف مهارة عملية على مهارة يده الفطرية , وكان دائما يقول :
عملي في التصويج منحني الإحساس بالكتلة على حساب الفراغ , أقام ورشته الأولى في منطقة الهلك بحلب .
وعن تلك الفترة يقول جاره في المشغل واصفا حالة سيدو هو يتوحد مع الحجر:
"إن هذا الشخص "سيدو" مجنون، يجلب الحجارة من عفرين، ويكسر بها للصباح الباكر، ذلك المجنون لا يدعنا ننام". هذا الجنون كان يجعل الحجر ينطق شخصيات وحواكي .
انتسب " سيدو " إلى كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1980، ودرس فن النحت وتخرج في عام 1984م كان من أوائل الخريجين على مستوى منطقة "عفرين".من كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" - مادة النحت
"خان الزيتون"، كان الانطلاقة الأولى للفنان, بعد تخرجه من كلية الفنون بدمشق، وفور عودته إلى عائلته، اتخذ مرسمه في المركز التاريخي لرمز المكان الذي انحدر منه، عفرين "قرية شران"، "خان الزيتون".وهناك من العدم، من اللاشيء، بدأ الفنان محمد سيدو رشو رحلته الفنية الاحترافية .
في مشغله الذي سماه "ميديا" نحت رشو الكثير من آلامه وأحزانه . اماله وحضارته وترجم الأدب الكردي إلى أعمال ومنحوتات ’ فنحت سيامند وخجى، وراقصة البالية ليلى بدرخان، التي ستبقى ترقص على إيقاع نحت سيدو. ونحت "بيريفان"، وعازف البزق : "الطبال وشفان" بجانب ممو وزين ووجه جكرخوين والبيوت المحروقة وآلام الأكراد وحلبجه، وفي الزاوية المقابلة لهؤلاء كنت تجد وجه وعل عنيد، وعلى الرف كان أنين الجبل الثقيل وعازف الناي وفتاة مطلة من النافذة تترقب حبيبها معلقا على الجدار , وهناك كان يرقد تمثال المرأة الكردية من اشهر أعماله حيث يميل جسدها نصف استدارة نحو جبين الضوء ويوحي بالكثير من الخوف. أو ربما بالفراق حين يكتمل. . ، خوف دفين تلفه الفجاءة من عقوق الحياة .
تلك الصور والأعمال حولت المشغل الى متحف حقيقي . ابداعه كان يكتمل على أنغام فقه تيران، محمد عبد الوهاب، وشيرين برور... وكان " سيدو " يعشق بران كوزي، هنري مور، رودان، وجياكومتي .
الوطن على اتساعه وغناه يضيق بمبدعيه فيرحلون الى بلاد البرد والغربة, الى عالم يتعايشون مع أفراده مسايرةً ويتعلمون لغتهم قسراً, وفي أعماقهم توق لدفء الوطن وضجيجه, لرائحة ترابه, لصوت الباعة الجوالين, لأحيائه القديمة.. لعشقهم الأول, لمرتع طفولتهم وصباهم
في عام 1990 سافر الفنان "سيدو رشو" إلى خارج موطنه , ليقيم مدة ثماني سنوات في "رومانيا" أقام خلالها عدداً من المعارض الفنية , وذلك وسط اهتمام كبير من الإعلام الروماني المرئي والمقروء، وخلال هذه الفترة أقام نصباً تذكارياً في إحدى حدائق العاصمة الرومانية بوخارست. وقد اختار سيدو الرحيل إلى رومانيا لأنها كما قال بلد النحات العالمي " برنكوش " وقد أتى الىها ليدرس أعماله ويفهم الية تفكيره , وليس فقط ليدرس منحوتاته , وقد جسدت أعمال " سيدو " النحتية خلال هذه الفترة التراث والتاريخ السوري القديم وتاثره الواضح بأسلوب " برانكوش ".
لاحقا شارك سيدو في معارض فنية عدة أقيمت في مدينة "فيينا" النمساوية و في باريس بهدف تعريف الجمهور الفني في المغتربات الأوروبية على النحت السوري، بعدها انتقل إلى "بلجيكا" وأقام فيها سنتين حيث سيطر عليه المرض هناك .
رحل سيدو في 6 تشرين الأول من عام 2005. عن عمر ناهز الخامسة والأربعين وهو في قمة عطائه، إثر نوبة قلبية داهمته وهو معتكف على إنجاز نصب تذكاري في مدينة (أنثورب) في بلجيكا، كان عمدتها قد كلفه به .رحل ليقلص من حضور جيل العمل الحداثوي النحتي.
كان الفنان "سيدو رشو" دائمَ التوتر والقلق كطفلٍ في امتحان، لا ينتهي شعوره الدائم بضيق الوقت، الذي لا يتسع لفنجان قهوة أو دردشة مع صديق. كان يتمنى لو يغير زمن العالم، ويجعل اليوم ثلاثين ساعة ! ربما كان يمتلك الإحساس بان زمنه محدود وعليه الاستفادة من كل لحظة فيه قبل الرحيل .
تقول أخته والتي توفيت أيضا في رومانيا : لم تكن المرحومة أمنا - الجزائرية الأصل- تكذب علينا, لكنها ومن شدة حرصها على قلوبنا الفتية.. كانت تقول لنا بعد كل موجة من الضحك تدمع لها عيناها وعيوننا الصغيرة (إن من يضحك حتى تدمع عيناه سيموت في بلاد غريبة).. وكلنا نحن أولادها الستة قد ورثنا عنها غزارة الدمع، فنبكي حين نحزن، ونبكي حين نضحك..
حين يتحدث " سيدو " عن كردستان امه الكبرى يقول : الأسطورة هي أهم قاسم مشترك، يلتقي عليه الناس في هذا الشرق نحن نعيش اليوم في عصر من الأساطير دون أبطال؟!.فمثلاً: طفل يهجر من حضن أمه الكبرى، ويترك ليقتل جوعاً وبرداً على مرآى من العالم في حضن أمه الصغرى.. رغم أن أرضه ـ أمه الكبرى ـ تملك من الثروات مايكفي لتوزيعها على كل أطفال العالم. ان نقطة المطر توصلني إلى سر المحيط لذلك أبحث عن الحرية، إنها هاجسي الأول.
ركز سيدو دائما على الكتلة الواسعة، البسيطة، الملفوفة، والمضاءة، مازجاً ومُوفِقاً، بين قيم فن النحت، وقيم فن الخزف، يقول رشو : أنا أنحت بتفاعل مع المحيط الذي حولي.. وبالتفاصيل التي تسكن روحي.. (يمكن أن أذهب إلى بقعة أخرى من العالم، بعيدة آلاف الكيلومترات عن وطني ، لكنني سأبقى أعمل برؤية إنسان قادم من الشرق).
في أيامه الأخيرة كان يحمل غليونه البني في يده ، من خشب الزيتون يرتشف القهوة بهدوء، ويتحدث بحميمية , وازداد شعره طولاً وبياضا وكان لازال يعقد ربطة لشعره تشبه ربطة شعر حبيبته الأولى في عفرين , زادته الغربة ، عمقاً، وشحوباً.
سيدو شخصية غاية في الشفافية والمزاج المسالم باتجاه الإنسان عاشق البرونز طار من "شران" ليخبر العالم عن قصصه وقصص الأكراد الحزينة، فكان هو الحكاية.
كان الفنان " سيدو رشو" كتلة من الحيوية والنشاط، ويحمل أفكاراً لافتة وقد استطاع "رشو" أن يختط لتجربته خطاً فنياً هاماً ولافتاً ومتميزاً في تاريخ النحت السوري المعاصر ففي منحوتاته تلاقت التأثيرات العالمية والمحلية التي أخضعها وطوّعها محوّلاً ما يجول في دواخله من أفكار وأحاسيس إلى مجسمات حية من البرونز الحار بعد أن يبث فيها الروح، ليقول عنه النقاد إنه يقوم بترجمة أحاسيسه وعواطفه بالبرونز من خلال تطويع هذه المادة بشكل تعبيري وجميل مبدعاً أعمالاً مستمدة عموماً من النحت السوري القديم». خلال تجربته كانت البرونز، كان "رشو" يعتمد في أعماله النحتية أيضاً على عنصر التبسيط لذا وُصفت تلك الأعمال بأنها مختزلة.
لقد تمكن هذا النحات المجتهد، وخلال زمن قصير، أن يختط لنفسه مساراً لافتاً وجميلاً وهاماً، في النحت الحديث، تلاقت فيه تأثيرات عالمية ومحلية عديدة، مميطة اللثام عن شخصية نحتيّة جديدة، في التشكيل السوري الحديث، أخضعت هذه التأثيرات لها، وكانت تعد بالكثير من العطاء، لو أمهلها القدر لفعل ذلك.
دوماً كان الرحيل.. دوماً كانت الهجرة ... رحل "جيرون" إلى عامودا ولم يعد أبداً. وعلى أنغام أنين الجبل رحل مع صوت الناي " عبد الرحمن دريعي " هاجر "أحمد" إلى الجبال، ليقاتل.. أيضاً لم يعد . وأيضا " سيدو رشو " ركب الرحيل ... في معظم فصوله عمره كان يرحل.. من شارع إلى شارع ....يرحل من مدينة إلى أخرى.. من بلاد إلى بلاد حتى عاد الى عفرين مسقط راسه .
رحل من بيننا "سيدو رشو" الإنسان، بعد رحلة قصيرة في العمر طويلة في الفن، متنقلاً من حلب، إلى دمشق، بيروت، رومانيا، بلجيكا، وتوارى جثمانه في مسقط رأسه، عفرين الجميلة التي أحبها بكل صدق وترجمها بلغة الحجر .
وبرحيل النحات العفريني الحلبي الكردي العربي الجزائري السوري الأفريقي الأسيوي "سيدو رشو" يكون قد طوّي سيرة هذا الفنان المتميز، أعمال تجلت فيها الحداثة بمفاهيمها الوجودية، لترسي أسساً جديدة متناغمة مع وقعات حركة الفن المعاصر، والعلاقة القائمة بين خيال الفن العفريني والحوار مع الغير.
برحيله فقد الفن من شران الى بلجيكا مرورا بعفرين وحلب ودمشق وبيروت وبوخارست وفيينا وباريس عاشقاً أسمر