وفاة المستعربة "ميوارا رومان" أحبت العرب وأحبها العرب

 

غادرتنا المستعربة الرومانية سفيرة العرب في رومانيا "ميوارا رومان" بعد 83 عاما من حياة حافلة بالعطاء والنشاط نتيجة أصابتها بجلطة قلبية خلال نومها فغادرت دنيانا كما كانت تتمنى، بسلام ودون معاناة.

من هي ميوارا رومان :

إعلامية، مستشرقة، ابنة دبلوماسي، زوجة رئيس وزراء، مؤلفة وعضو مؤسس في النادي الروماني العربي للثقافة والإعلام.

في لقاء سابق لها مع وكالة الأنباء العربية (الانا نيوز) نشر في عدة صحف عربية قالت “ميوارا":

علاقتي مع العرب ابتدأت وأنا ابلغ من العمر 3 سنوات حيث رافقت عائلتي إلى الجزائر كون والدي عين سفيرا لرومانيا في الجزائر، ولكن الوعي الفعلي للغة العربية ومفرداتها وأحاسيسها تلقيته في مص،

فوالدي هو من افتتح أول سفارة رومانية في مصر، كنت أشاهد الأفلام العربية وأحس الأحاسيس نفسها، فابكي مع الجمهور واضحك معهم، واستمع إلى أم كلثوم  وعبد الحليم حافظ  وهناك تعرفت على معاني كلمات مثل المحبة، الصداقة، الجيرة، الدعم الإنساني، الضيافة ،الاجتماع.

كان لدى السفارة موظفين مصريين كنا نخرج معهم إلى الصحراء، فتعلقت بالصحراء ووحشتها وعظمتها وتضاريسها. وفي بغداد بدا يتشكل لدي الوعي السياسي بالقضايا العربية حيث كنت قد بلغت ال20 من العمر. لذلك حين عدت إلى رومانيا لم يكن من الصعوبة أن اعمل في القسم العربي للإذاعة الرومانية .

ابتدأت في القسم من الصفر فكانت لي ساعة وبعدها ساعتين ومن ثم استلمت رئيسة القسم وأنا ابلغ من العمر 24 سنة وفي الراديو كان هناك عرب ساعدوني "نادر قره جولي" وزوجته وهو من سوريا وكان هناك أيضا "أحمد قباني" من السودان.

وخلال هذه الفترة تابعت دراستي في كلية الأدب العربي ببوخارست وكان عميد الكلية  مصريا يهوديا واسمه " ايف جولدينبرغ" يحب الموسيقى العربية ،وكان يبكي حين يستمع إلى القصائد العربية.

 

وانا اليوم عندما أتحدث عن العرب آو اسمع كلمات عربية تعود بي الذاكرة إلى الشباب والطفولة وذكريات تلك الأيام الجميلة.

ذكرياتي مع العرب لم تتوقف بعد تخرجي من كلية الأدب العربي فقد أجريت عدة لقاءات إذاعية كانت بالأهمية بمكان أن منحتني الفرصة لألتقي عظماء العرب في القرن العشرين أمثال "الحبيب بورقيبة" والقائد "ياسر عرفات “والمطرب "عبد الحليم حافظ وبطل السلام "أنور السادات"و"الملك حسين" ملك الأردن،  ومن الأدباء"يوسف إدريس" و"محمود درويش" و"عبد الرحمن الشرقاوي" وغيرهم وكل منهم ساهم في إضافة خبرة جديدة عن العالم العربي. وجميع تلك اللقاءات محفوظة في أرشيف راديو رومانيا .

لقائي مع عرفات كان له قصة معاناة لاأزال اذكرها فقد حثني هذا اللقاء على تأليف كتابي عن القضية الفلسطينية. في عام 1977 أصدرت أنا وأختي كتاب عن القضية الفلسطينية، حينها كنت حاملا بابنتي "وانا". كانت تلك القضية دائما في الصفحات الأولى بالإعلام الغربي.

علمت أن "ياسر عرفات"  في زيارة لرومانيا وطلبت إجراء مقابلة معه، قيل لي إذا عرفت أين يكون يمكنك أن تجري معه مقابلة،  بدأت بالبحث من شارع إلى شارع ومن مبنى إلى آخر وأخيرا ساعدني بعض الأصدقاء على للوصول إليه .كنت منفعلة نظر إلي "عرفات" وقال ماذا تريدين مني  حاولت جاهدة أن أجد الكلمات العربية واستخدمها بشكل قواعدي سليم .قلت له باللغة العربية الفصحى : ارغب أن تجري مقابلة معي من اجل رومانيا على التلفزيون، ولكن من الأفضل أن تخرج المسدس . قال أعطيك فقط خمس دقائق .كان يتكلم العربية بثقة وعلمت انه درس في القاهرة وألمانيا.

سألته من هم الفلسطينيون؟

خلال 5 دقائق أعطاني معلومات مركزة وهنأني على إجادتي للغة العربية.

لا يمكنك إلا أن تحترم إنسان أضاع حياته من اجل استقلال بلاده، لن يولد ياسر عرفات في كل زمان ومكان.

الملك "حسين" كان رائعا ودمثا ويشع الذكاء من عينيه، أما الرئيس "أنور السادات" فقد كان دائما يخرج عن نطاق البرتوكولات أثناء زيارته لرومانيا، وقابلت أيضا السيدة "جيهان السادات" كانت امرأة ناعمة وجذابة وجميلة بل كانت أجمل فتاة عربية قابلتها في حياتي. ورجوتها حينها أن تدبر لي امر اللقاء مع زوجها الذي التقيت به في نفس العام الذي تم اغتياله لقد دفع حياته من اجل السلام .

في عام 1972 كنت في الكويت واذكر هناك أني كنت في جلسة ثقافية وذكر أحدهم أمامي نظرية متميزة وهي نظرية المساحة الخضراء لقياس الحضارة! فقال مقياس تطور دولنا هو في المساحة الخضراء، فكلما زادت المساحة الخضراء دل ذلك على التحضر والتقدم والازدهار.

أنا فخورة بإجادتي اللغة العربية فهي لغة غنية وصعبة طريقها طويل ولكنها جميلة كنت كمن يعبر الصحراء للوصول الى شاطئ البحر. لدينا الكثير مما ممكن أن نتعلمه من العرب "الحياة السعيدة التي لا ترتبط بالضرورة مع الملكية". والدي كان يقول: الشمس والحضارة تشرقان من الشرق.

دار الحكمة كانت أول أكاديمية نقلت الفلسفة الإغريقية وبعدها أخذت أوروبا وترجمت عن العربية كل ما نقل.

الحكم على العرب من خلال وسائل الإعلام حكم خاطئ فعلى سبيل المثال ارتبطت لدى الغرب مصطلح الجهاد بكونه الإرهاب، ولكن الجهاد في العربية أتى من الجهد وهو أن تصنع جهدا لتصبح أفضل، أن تحارب ضد أخطائك وعثراتك .

المنطقة العربية تحمل أسرار العالم فمن هناك نشأت الأديان الرئيسية ومن هناك مر طريق الحرير ومن هناك تأتي مصادر الطاقة وهناك أيضا نصف مشاكل العالم وحروبه.

أنا ارفض مقولة أن العرب أغنياء لان لديهم بترول فالإمارات على سبيل المثال فقط 8% من دخلها  يأتي من البترول .وانا ارفض مقولة أن المرأة العربية غير متحررة فنظرة واحدة الى التاريخ تعلمنا عن خولة وأسماء وعائشة والخنساء وزنوبيا  وشجرة الدر ونظرة إلى الحاضر تخبرنا عن الأديبات والوزيرات والبرلمانيات .

"ميوارا رومان" كانت وحتى سنوات تشارك وبفعالية وحضور متميز وذاكرة قوية وثقافة غنية بكل الفعاليات العربية التي تدعى اليها وشاركت في أمسيات النادي الثقافي السوري وفي حفلات إصدار الكتب والتراجم العربية ومنها " بقايا أحلام ممزقة" و"العودة الى شواطئ الحقيقة" و"وداعا ياوطن" للكاتب السوري الروماني "مازن رفاعي".

 

https://www.youtube.com/watch?v=oOaQICU-UGA

https://www.youtube.com/watch?v=ylN79IetAGM

 

 

الجاليات العربية والمراكز الثقافية في رومانيا توجهت برسائل التعزية الى ابنتها "وانا رومان"

للفقيدة الرحمة ولأهلها وأصدقائها الصبر والسلوان.