أوروبا قلقة بعد تصدّر سيميون الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في روماني

محلية
Typography
  • Smaller Small Medium Big Bigger
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

حقق مرشح اليمين القومي المتشدد للرئاسة في رومانيا جورج سيميون فوزا كبيرا في الجولة الأولى الأحد بحصده 41% من الأصوات، وذلك على عكس نتائج الانتخابات في كندا وأستراليا اللتين خسر فيهما المحافظون، ففي الأولى فاز الليبرالي مارك كارني بدل بيير بواليفير، المحافظ الأقرب إلى تبني مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفي الثانية فاز أنتوني ألبانيز العمالي على حساب المحافظ المتشدد والمعجب بترامب، رجل الشرطة السابق بيتر داتون، الذي خسر حتى مقعده الشخصي.

أوروبا تراقب انتخابات رومانيا بقلق

التصويت الروماني لسيميون (38 عاما) رغم مواقفه اليمينية المتطرفة جاء على خلفية إلغاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بحجة مزاعم عن "نفوذ روسي كبير".

محاولة رومانيا، البلد العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، تجاوز أزمتها الانتخابية، تثير قلق الأوروبيين على وحدة مواقف قارتهم في مواجهة تحديات عصيبة. فالشاب الذي استغل الجدال الذي نشأ بعد إلغاء نتيجة الخريف الماضي، واعتبار معسكر القارة الترامبي أن في ذلك مؤشراً على تراجع الديمقراطية الأوروبية، تقدم على عمدة العاصمة بوخارست، نيكوشور دان، الذي لم يحصل سوى على 21%.

وفوز سيميون المثير للجدل، زعيم حزب التحالف من أجل وحدة رومانيا المصنف يميناً متطرفاً (تأسس بوصفه حزباً احتجاجياً في 2019 وركز بعد معارضة لقاحات كورونا، من بين أمور أخرى، على معارضة زواج المثليين والتوعية بإبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية)، يعيد التذكير بشعبية منتقدي الاتحاد الأوروبي، ويضيف المزيد من الشكوك حول بقاء دعم بلده لأوكرانيا في حربها مع روسيا. فهو يقدم نفسه في العادة حليفاً أيديولوجياً وثيقاً للرئيس ترامب، ويقيم علاقات مع حركة "ماغا" (لجعل أميركا عظيمة) التي دعمته منذ الخريف.

وفي الجولة الثانية المرتقبة يوم 18 مايو/أيار الحالي ستكون أوروبا ومعها "الأطلسي" وروسيا وأميركا في وضع مراقبة قلقة للبعض وانفراجة للآخرين. فبعدما قدمت الانتخابات في كندا وأستراليا نموذجا حول كيفية معاقبة الديمقراطيات الراسخة للمرشحين الموالين للترامبية، بمواقف قومية متشددة، سيمنح فوز سيميون الروماني قوة إضافية لمعسكر الشعبويين في أوروبا. فهؤلاء متهمون من ساسة المعسكر الأوروبي في بروكسل بأنهم يعارضون قيم الاتحاد الأوروبي. وسينضم سيميون، في حال فوزه، إلى زملائه الآخرين الذين يشبهونه في قوميتهم المفرطة بالتشدد والانعزالية، مثل فيكتور أوربان في المجر والسلوفاكي روبرت فيكو، وآخرين على مستوى الأحزاب والشخصيات الأوروبية، وهو ما يزيد من فعالية معارضتهم للدعم الأوروبي لأوكرانيا.

وكانت رومانيا تعد حليفا قويا لأوكرانيا منذ بدء الحرب في 2022، وذلك بفضل موقعها على البحر الأسود واعتبارها طريقا رئيسيا في استراتيجية الحلف الأطلسي في سياق "تعزيز الجناح الشرقي لحلف شمالي الأطلسي" والدعم الأوروبي.

وبكلمات أخرى، يزيد وصول سيميون المحتمل إلى الرئاسة في بوخارست أعباء الأوروبيين، إذا ما قرر انتهاج سياسة الرئيس الأميركي في سحب دعم بلاده لكييف. بالطبع، تبدو مواقف الرجل، وخصوصا بعد تحقيق الفوز في الجولة الأولى، مغرقة في القومية. فقد اعتبر أن فوزه "نصر لكرامة رومانيا، وهو نصر لمن لم يفقدوا الأمل، والذين لا يزالون يؤمنون برومانيا دولة حرة ومحترمة وذات سيادة".

ولعب هذا المرشح بصورة واضحة على مراكمة اليمين المتطرف الروماني شعبية إضافية في أعقاب استياء شعبي واسع النطاق من الأحزاب الحاكمة التقليدية، التي يُنظر إليها على أنها غارقة في الفساد. وفي الوقت نفسه، هناك إحباط شديد في رومانيا من ارتفاع تكلفة المعيشة وانتشار الفقر وضعف في آفاق الاقتصاد الوطني. بالإضافة إلى ذلك، يسود غضب شديد بين كثيرين ممن يشعرون بتجاهل أصواتهم السياسية، حيث ازدادت الأجواء سوءا بإلغاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي فاز فيها المرشح اليميني المتطرف كالين جورجيسكو، الذي أشاد بالفاشيين وبالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحظي بدعم علني من الولايات المتحدة بقيادة ترامب والكرملين. ووعد سيميون بمنحه منصبا رفيعا إذا ما أصبح رئيسا.

استغلال الترامبيين للأزمة

وكانت المحكمة الدستورية قد قضت بإلغاء فوز جورجيسكو، بحجة النفوذ الروسي لمصلحته. ومُنع في مارس/آذار الماضي من الترشح لإعادة انتخابه أمس الأحد، بسبب اكتشاف "أخطاء في وثائق تمويل حملته"، واتهامه بأنه "أشاد بمنظمات إجرامية وفاشية". واستغلت القوى الأوروبية المتشددة قضية المنع، كما فعل معسكر "ماغا" الأميركي، معتبرة إياها بمثابة عقوبات على الرجل، وشبهتها بالانقلاب من جانب "النخبة الليبرالية والقوى السياسية الراسخة"، المتهمة حيث لا يحقق الشعبويون واليمين المتشدد طموحاتهم.

وساهمت فوضى انتخابات الخريف الماضي في تعميق الانقسام المتزايد بين واشنطن وأوروبا حول "القيم الديمقراطية"، إذ اتهم نائب ترامب، جي دي فانس، حكومة بوخارست بعد إلغاء الانتخابات الرئاسية السابقة بأنها جاءت بناء على "أدلة واهية" ولأن "النتيجة لم تعجبهم". بل ذهب فانس أبعد من ذلك حين صرح قائلا للقادة الأوروبيين: "أنتم خائفون من شعبكم لدرجة أنكم تحاولون إسكاته".

في العموم، يبدو أن الدعم الأميركي، تحديدا من ترامب ومجموعته، يقوم على أساس أن بينهم وبين مجتمع التطرف القومي الأوروبي "قيما مشتركة"، وخصوصا بين تلك المتشككة في وجود التكتل الأوروبي، وعلى أمل أن يساهم وصوله إلى السلطة في تقويض وحدة الاتحاد الأوروبي، حيث يفضل الأميركيون "التلاعب بأوروبا المجزأة"، بحسب ما يسوقه الساسة التقليديون في القارة.

وفي مقابلة له الجمعة الفائت، أكد سيميون أن "روسيا لا تشكل تهديدا كبيرا لدول الناتو"، ذلك رغم انتقاده غزو أوكرانيا، التي لا يرغب بدعمها أيضا. وهو مثل حليفه رئيس حكومة المجر فيكتور أوربان، يعد بالسعي لإنقاذ العلاقات عبر الأطلسي والصلة الوثيقة بترامب.

بعد أقل من أسبوعين، إذا ما أصبح رئيسا وتمتع بصلاحيات كثيرة في بلده، ستكون أوروبا مجبرة على إعادة قراءة علاقتها ليس فقط ببوخارست، بل بكتلة تتذمر أكثر بشأن دعم أوكرانيا، من جنوب القارة إلى وسطها.